للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في فصول الكتب١، والحق أنه القمة التي وصلت إليها الكتابة الفنية في العصر الأموي، إذ كان زعيم البلغاء في عصره غير مدافع، وقد بقيت منثورات من رسائله تشهد بفصاحته ولسنه، ومقدرته على التعبير والبيان مع الفخامة والطلاوة، من ذلك رسالة وجهها إلى عمال مروان بن محمد بالأمصار يأمرهم بمحاربة لعبة الشطرنج، ورسالة ثانية يصف فيها رحلة صيد وقد تأثر فيها تأثرا شديدا بوصف شعراء الجاهلية للصيد وكلابه وجوارحه، ورسالة ثالثة تقدم بها إلى الكتاب٢، ضمنها وصايا مختلفة لهم، وهي تدل على نمو طبقتهم وأنهم أصبحوا يؤلفون جماعة بارزة في حياة الدولة، ووظائفها وأعمالها المتنوعة. ونراه يستهلها بأن صناعتهم أشرف الصناعات، إذ بهم ينتظم الملك وبتدبيرهم وسياستهم يستقيم الحكم، وينصحهم أن يتحلوا بخلال الخير وخصال الفضل، ويخوض فيما ينبغي أن يتقنوه من صنوف المعرفة والثقافة، يقول:

"فنافسوا معشر الكتاب في صنوف العلم والأدب، وتفقهوا في الدين، وأبدءوا يعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقات ألسنتكم، وأجيدوا الخط فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها، وسيرها، فإن ذلك معين على ما تسمون إليه بهممكم، ولا يضعفن نظركم في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج منكم".

وفي ذلك الدلالة البينة على أن الكاتب في عصر عبد الحميد، كأن لا يستطيع أن يحسن وظيفة الكتابة إلا إذا ألم بالثقافة الإسلامية، وثقافة العرب الأدبية من خطابة وغير خطابة، ومن أيام وغير أيام، وأخبار الأمم الأجنبية ومعارفها، ولا بد أن يعرف الحساب، وأن يروي الأشعار ويقف على غريبها ومعانيها، فيفيد منها كما أفاد عبد الحميد نفسه في رسالة الصيد إذ نثر فيها كثيرًا من معاني الشعر القديم، فالكتابة لم تعد عملا سهلا بسيطا، بل أصبحت عملا معقدا، لا بد فيه من إعداد ومن تثقف تام بالقرآن الكريم، وأوامر الشريعة وبالأدب العربي


١ مروج الذهب ٣/ ١٧٨.
٢ الوزراء والكتاب ص٧٣، وما بعدها.

<<  <   >  >>