للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكنوزه النثرية والشعرية والآداب الأجنبية، وليس هذا كل ما يلفتنا في الرسالة، فقد تحدث عبد الحميد طويلًا عما ينبغي أن يأخذ به الكاتب نفسه في سياسة الناس وتدبير شئونهم، كما تحدث عما يمكن أن نسميه آداب اللياقة بالقياس إلى الخلفاء، والرسالة في مجموعها تتصل مباشرة بما أثر من وصايا ملوك الفرس لكتابهم، مما رواه الجهشياري في مقدمة كتابه الوزراء والكتاب، ولذلك كنا نظن ظنا أن عبد الحميد يتأثر فيها بتلك الوصايا، ولعل هذا هو الذي جعل صاحب الصناعتين يزعم أنه "استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسي، فحولها إلى اللسان العربي"١، ونص الجاحظ في بيانه على أنه ترجم بعض كتب من الفارسية٢، ولا بد أن تكون هذه الكتب متصلة بعمله من الكتابة الأدبية، وربما كان من أطراف ما نقرؤه في رسالته إلى الكتاب الآنفة الذكر أننا نراه يدعوهم إلى تأليف ما يشبه النقابة في عصرنا، فقد طلب إليهم أن يعطفوا على من ينبو به الزمان منهم، وأن يواسوه، حتى يرجع إليه حاله ويثوب أمره، والرسالة بذلك دستور واسع للكتاب يصور واجباتهم الخلقية والثقافية، وعلى هديها كتبت فيما بعد كتب أدب الكاتب، والكتاب لابن قتيبة والصولي وغيرهما.

وربما كانت أهم رسالة سياسية وصلتنا عنه رسالته التي بعث بها عن مروان بن محمد إلى ابنه، وولي عهده عبد الله حين وجهه لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي، الذي ثار في العراق، وامتدت ثورته إلى الموصل عام ١٢٨ للهجرة، وهي رسالة كبيرة، وكأن عبد الحميد أراد بها أن يضع دستورًا لتنظيم قواد الدولة لجيوشهم من الوجهتين: المادية والحربية، والرسالة تقع في نحو أربعين صحيفة، فهي أطول رسالة أثرت عن عصر بني أمية، إذ امتد فيها نفس عبد الحميد إلى كثرة واسعة من الصحف، فصل فيها الحديث عن آداب القادة وتصريفهم للمسائل الحربية، وأطال في بيان ذلك، حتى غدت


١ الصناعتين لأبي هلال العسكري "طبعة الحلبي" ص ٦٩.
٢ البيان والتبيين ٣/ ٢٩.

<<  <   >  >>