للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الغلاة في ذلك إنيسترانسيف، فقد أكبر في كتابه "الأثر الإيراني في الأدب الإسلامي" من شأن هذه الثقافة، وتأثيرها في العرب معتمدًا في ذلك على ما يحصيه ابن النديم في فهرسته من أسماء الكتب الفارسية المترجمة، وهي كثيرة هناك كثرة غامرة، إلا أن هذه الكثرة يجب أن نحذرها، فالمسألة مسألة كيف لا كم، وربما كانت أهمية هذه الثقافة لا ترجع إلى ما ترجم للفرس أنفسهم، وإنما ترجع إلى ما ترجم إلى لغتهم عن غيرها، فقد كانت وسيطا مهما في نقل كثير من آداب الهند، ومعارفها مثل كتاب كليلة ودمنة الذي نقله ابن المقفع، وكذلك كانت وسيطا في نقل بعض الكتب اليونانية مثل منطق أرسطو الذي ترجمه عبد الله بن المقفع، أو ابنه١، على أنه ينبغي أن نشير إلى أنه دخل عن طريق الترجمة من الفارسية كثير من تعاليم الفرس الدينية القديمة عند زرادشت وماني ومزدك، بل ترجموا كتاب زرادشت المسمى أفستا كما ترجموا كتبا أخرى لماني ومزدك، مما كان سببا في ازدياد جماعة الزنادقة، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون أديانهم المجوسية القديمة، وكانت عين الدولة يقظة، فأقام المهدي ديوانا خاصا بمحاكمتهم، وقتل ابن المقفع وكثيرون غيره. وقد انبرى علماء الكلام، وخاصة المعتزلة يردون على هؤلاء الزنادقة، وما زعموا من إثنينية ومذاهب دهرية.

ولا تقل أهمية الثقافة الهندية٢ عن الثقافة الفارسية، إذ ترجم العباسيون عنها كثيرا من الحكم والقصص، ومن الفلك والرياضة والطب، وقد ترجم إبراهيم الفزاري للمنصور كتاب الفلك الهندي المعروف باسم "السند هند" يعاونه في ذلك بعض علماء من الهنود، واجتلب يحيى بن خالد البرمكي مجموعة من أبطائهم إلى بغداد، وأمرهم بنقل بعض كتب الطب الهندية، ويظهر أنه كان هناك مترجمون كثيرون يحسنون النقل عن السنسكريتية، ومما نقلوه صحيفة في


١ راجع التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية لعبد الرحمن بدوي ص١٠١،وما بعدها.
٢ انظر الفصل الخاص بهذه الثقافة في الجزء الأول من ضحى الإسلام.

<<  <   >  >>