للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخمسمائة إلى الألفين في كل شهر"١.

ولما قامت الدولة العباسية كتب لعيسى بن علي عم المنصور٢، وعلى يديه أعلن إسلامه، وتسمى باسم عبد الله، واكتنى بأبي محمد٣، ويقال: إنه حين حاول إعلان إسلامه سأله عيسى أن يؤجل ذلك إلى الغد، حتى يكون ذلك في حفل يحضره القواد والرؤساء، ثم حضر طعام العشاء، فجلس يأكل ويزمزم على عادة المجوس، فقال له عيسى: أتصنع ذلك وأنت على عزم الإسلام؟ فقال: أكره أن أبيت على غير دين! وظل يعمل في خدمة عيسى حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور، وهنا يختلف الباحثون في سبب قتله، فيزعم قوم أنه قتل لزندقته، ويؤكد الجهشياري، وكثير من المؤرخين أن السبب في قتله ما كان من تشدده في كتابه الأمان الذي كتبه لعبد الله بن علي أخي عيسى، وعم المنصور فإنه حين فشلت ثورته على ابن أخيه هرب منهزما من أبي مسلم الخراساني، وقصد أخويه عيسى وسليمان بالبصرة، فكاتبا المنصور في أن يؤمنه، ورضي بإعطائه الأمان، فأمر عيسى بن المقفع يعمل نسخة لهذا الأمان، فعملها ووكدها، واحترس من كل تأويل يجوز أن يقع عليه فيها.. وكان الذي شق على أبي جعفر ما جاء في أسفل الأمان من أنه إذا غدر بعمه عبد الله، فهو نفي من أبيه، ومولود لغير رشدة، وقد حل لجميع أمة محمد خلعه وحربه والبراءة منه، ولا بيعة له في رقاب المسلمين، ولا عهد ولا ذمة، وقد وجب عليهم الخروج من طاعته، وإعانة من ناوأه من جميع الخلق، وأنه إن فعل كان كافرًا بجميع الأديان، ونساؤه طوالق وعبيده أحرار، فغضب المنصور حين قرأ هذا الأمان وسأل عن كاتبه، فقيل له: ابن المقفع، فقال: أما أحد يكفينيه؟ وكتب فيه إلى سفيان بن معاوية، وتصادف أن كان يضطغن عليه، فاستغل الفرصة وطلبه، فلما قدم عليه أمر بتنور فسجر، ثم أخذ يقطعه عضوًا


١ الوزراء والكاتب ص ١٠٩.
٢ الفهرست ص ١٧٢، والوزراء والكاتب ص ١٠٣.
٣ الفهرست ص ١٧٢.

<<  <   >  >>