في ميدان الترجمة، وهذا أسلوب يقوم على السهولة والوضوح مع توفير الجزالة والرصانة، وكان يعمد فيه إلى الإيجاز، فالمعاني تؤدي بأقل الألفاظ دون أن تقصر عنها ودون أن تطول طولا يجحف بحقوقها، ولعل ذلك هو الذي جعله يعدل عن أسلوب السجع، وكذلك عن أسلوب الترادف الصوتي الذي سبق أن لاحظناه عند الوعاظ، وعند عبد الحميد الكاتب وأستاذه سالم، وليس معنى ذلك أنه لم يكن يهتم بالجمال المادي بتاتًا، وإنما معناه أنه كان مترجمًا، وكان يسعى إلى الدقة في الترجمة، فلم يتوسع في رصف الألفاظ وبسطها، حتى لا تخونه في أداء معانيه. لقد كانت غايته أن يوفق بين اللفظ الدال والمعنى المدلول، ومع ذلك لم ينس أبدا أن يكون لفظه جزلا رصينا مصقولا، وأن ينسقه في حركاته وأوضاعه تنسيقا مبينًا، لا يخفي أي شيء مما يحمله معنى أو صورة، وقد ظلت القرون التالية إلى قرننا الحاضر تتداول كثيرا مما ترجمه، وخاصة كليلة ودمنة والأدب الكبير، والأدب الصغير، وهذا الصمود للتداول الطويل مرجعه هذا التعاون الوثيق بين المعنى الحصيف، واللفظ الرشيق.