للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخرج فيها، ثم انتقل إلى بغداد، فكتب ليحيى بن خالد البرمكي، وله أشعار في مديحه١، ويقال: إنه خلفه على الدواوين٢، ويظهر أنه ظل يشتغل فيها لعهد الأمين٣، ولما ولي المأمون الخلافة قدمه إليه الفضل بن سهل فأعجب به، وجعله خازنًا بدار الحكمة٤، وظل بها إلى أن توفي.

ودلائل كثيرة تدل على أنه كان مثقفا ثقافة ممتازة بجميع معارف عصره، وأنه كان أحد النقلة من لسانه الفارسي إلى العربية٥، ولكن أهميته لا ترجع إلى ما ترجم، بل ترجع إلى ما صنف وألف، ومن أجل ذلك كان يختلف عن ابن المقفع، فابن المقفع أهميته الأولى في تاريخ النثر العربي، إنما ترجع إلى أنه كان مترجما، وأنه مرن أساليب العربية على حمل الثقافات الأجنبية، أما سهل فكان أديبا تبدو شخصيته فيها يؤلف، ويدبج، ويحبر.

ويجمع من ترجموا لسهل على أنه كان شعوبي المذهب، شديد العصبية على العرب، ويقول صاحب الفهرست: إن له في ذلك كتبا كثيرة٦، وعلى نحو ما اشتهر بالشعوبية اشتهر بالحكمة، حتى لقبوه "بزرجمهر الإسلام"٧، ووصفه الجاحظ فقال: "كان سهل سهلا في نفسه، عتيق٨ الوجه، حسن الشارة، بعيدا من الفدامة٩، تقضي له بالحكمة قبل الخبرة، وبرقة الذهن قبل المخاطبة، وبدقة المذهب قبل الامتحان، وبالنبل قبل التكشف"١٠، ويلاحظ ابن النديم أن الجاحظ كان يفضله، ويصف براعته وفصاحته، ويحكى عنه في كتبه١١، وقد صرح مرارا بأنه كان يلقاه١٢، وروى كثيرا من نوادره، فمن


١ الحيوان ٣/ ٤٦٦، ٥/ ٦٠٣ والبيان والتبيين ٣/ ٣٥٢.
٢ شرح قصيدة ابن عبدون لابن بدرون "طبعة دوزي" ص ٢٤٣ وما بعدها.
٣ البيان والتبيين ١/ ٣٤٦.
٤ معجم الأدباء ١١/ ٢٦٧.
٥ البيان والتبيين ٣/ ٢٩.
٦ الفهرست ص ١٧٤.
٧ زهر الآداب ٢/ ٢٥٨ وسرح العيون "طبعة المطبعة الوطنية" ص ١٣٢.
٨ عتيق الوجه: جميل.
٩ الفدامة: العي.
١٠ البيان والتبيين: ١/ ٨٩.
١١ الفهرست ص ١٧٤.
١٢ البيان والتبيين ١/ ٢٣٨ والحيوان ٧/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>