للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أنه تندر على أحد جيرانه، وهو صغير يختلف إلى الكتاب، فقال:

نبيت بغلك مبطونا فرغت له ... فهل تماثل أو نأتيك عوادا١

ويدل هذا على أنه كانت فيه نزعة إلى الفكاهة منذ حداثته، وتروي له في ذلك طرائف كثيرة، منها أن رجلًا لقيه فقال له: هب لي ما لا ضرر به عليك، فقال: وما هو يا أخي؟ قال: درهم، قال سهل: "لقد هونت الدرهم، وهو طائع الله في أرضه لا يعصي، وهو عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف دية المسلم، ألا ترى إلى أين انتهى الدرهم الذي هونته؟ وهل بيوت المال إلا درهم على درهم"٢، وقال دعبل الشاعر: "أقمنا عند سهل بن هارون، فلم نبرح، حتى كدنا نموت من الجوع، فلما اضطررناه، قال: يا غلام! ويلك غدنا! قال: فأتينا بقصعة "بصفحة" فيها مرق، فيه لحم ديك هرم، ليس قبلها ولا بعدها غيرها، لا تحز فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطلع في القصعة وقلب بصره فيها، ثم أخذ قطعة خبز يابس، فقلب جميع ما في القصعة، حتى فقد الرأس من الديك، فبقي مطرقا ساعة، ثم رفع رأسه إلى الغلام، فقال: أين الرأس؟ فقال: رميت به. قال سهل: ولم رميت به؟ قال: لم أظنك تأكله، قال: ولأي شيء ظننت أني لا آكله؟ فوالله إني لأمقت من يرمي بجليه، فكيف من يرمي برأسه؟ ثم قال له: لو لم أكره ما صنعت إلا للطيرة "التشاؤم"، والفأل لكرهته، الرأس رئيس، وفيه الحواس "الخمس"، ومنه يصبح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقة الذي يتبرك به، وعينه التي يضرب بها المثل، يقال: شراب كعين الديك "في الصفاء" ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم أر عظما قط أهش تحت الأسنان من عظم رأسه. فهلا إذ ظننت أني لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه؟ وإن كان بلغ من نبلك أنك لا تأكله، فإن عندنا من يأكله، أما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق والعنق، انظر أين هو، قال:


١ الحيوان ٣/ ٦٦.
٢ سرح العيون ص ١٣٣.

<<  <   >  >>