للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فساد المروءة ولزوم النقيصة ويقول الحصري عقب هذه الفقرة: وكتابه هذا مملوء حكما وعلمًا١.

ويكبر الجاحظ دائمًا من بلاغة سهل وفصاحته، ويظهر أنه أهم كاتب ظهر خلال القرن الثاني الهجري، يقول صاحب سرح اليعون: "انفرد سهل في زمانه بالبلاغة والحكمة، وصنف الكتب معارضا بها كتب الأوائل"٢، ويقول الجاحظ: إنه كان في أول أمره إذا ألف كتابا طعن الناس عليه، فكان ينسب ما يؤلفه إلى من عرفوا بالتأليف مثل سهل، فيشيع الكتاب، ويحمله الناس مع الحمد والثناء٣.

وإذا ذهبنا نتعقب آثار سهل كي نحكم حكما دقيقا على صناعته، وفنه في كتبه ورسائله لم نجد إلا بقية ضئيلة من هذا المجهود الضخم الذي وصفه الجاحظ، وابن النديم وأمثالهما، ولولا أن الجاحظ احتفظ لنا في كتابي البخلاء، والبيان والتبيين بأطراف من عمله ما استطعنا أن نصدر حكما دقيقا على صياغته ولا على صنعته، ولعل أهم ما سجله الجاحظ له رسالته التي استفتح بها كتاب البخلاء، وفيها نرى سهلا يحتج للبخل احتجاجا فيه حوار الجاحظ وجدله، وفيه أيضا فصاحته ولسنه، بحيث يختلط الأمر على الناظر في هذه الرسالة، فيخيل إليه أنها ربما كانت من صنع الجاحظ، وإنما نحلها سهلا لمأرب في نفسه، ولكن هذا الظن ينمحي إذا قرأنا ما بقي من نثر سهل في مواطن أخرى، ومن يرجع إلى الرسالة يجدها تذم الرم وتزري به، بينما تمدح، البخل وتثني عليه، وهو ثناء أراد به التعصب على العرب، وذم صفة الكرم التي لهج شعراؤهم بذكرها، ومدح ما يضادها من الشح والبخل، ويقال: إنه أرسل بها إلى الحسن بن سهل ليكافئه عليها، فأجابه على ظهرها: "وصلت رسالتك، ووقفنا على نصيحتك! وقد جعلنا المكافأة عنها القبول منك، والتصدق لك والسلام"٤. وقد توجه بالرسالة في مفتتحها إلى


١ زهر الآداب ٢/ ٢٥٨.
٢ سرح العيون ص ١٣٢.
٣ التنبيه والإشراف للمسعودي "طبع ليدن" ص ٧٦.
٤ الفهرست ص ١٧٤.

<<  <   >  >>