للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بني عمه، ويقول القدماء: إنه يقصد بني عمه من آل راهبون، وأكبر الظن أنه يقصد بهم جماعة العرب لا آل راهبون كما ظن القدماء، وهو يستهلها على هذا النمط١:

"بسم الله الرحمن الرحيم. أصلح الله أمركم، وجمع شملكم، وعلمكم الخير وجعلكم من أهله، قال الأحنف بن قيس: يا معشر بني تميم! لا تسرعوا إلى الفتنة، فإن أسرع الناس القتال أقلهم حياء من الفرار، وقد كانوا يقولون: إذا أرادت أن ترى العيوب جمة فتأمل عيابا، فإنه إنما يعيب بفضل ما فيه من العيب، وأول العيب أن تعيب ما ليس بعيب، وقبيح أن تنهي عن مرشد أو تغري بمشفق، وما أردنا بما قلنا إلا هدايتكم وتقويمكم، وإلا إصلاح فسادكم، وإبقاء النعمة عليكم، ولئن أخطأنا سبيل إرشادكم، فما أخطأنا سبيل حسن النية فيما بيننا وبينكم، ثم قد تعلمون أنا ما أوصيناكم إلا بما قد اخترناه لأنفسنا قبلكم، وشهرنا بهفي الآفاق دونكم. فما كان أحقكم في تقديم حرمتنا بكم أن تراعوا حق قصدنا بذلك إليكم، وتنبيهنا على ما أغلفنا من واجب حقكم، فلا العذر المبسوط بلغتم، ولا بواجب الحرمة قمتم".

وأظن أن صنعة سهل قد استبانت لنا في هذه الأسطر القليلة، إذ نراه يعني في رسالته ببسط الأدلة، وكأنه يقدم حوارا عنيفا، فهو يدلي بأقيسة وقضايا، وآثار مروية، وليس هذا كل ما يميز صنعته التي نلمح فيها أثر المنطق وتعلم الجدل، بل يميزها شيء آخر أهم من ذلك، وهو ما يعمد إليه من بسط العبارة بسطا يظهر فيه التقطيع الصوتي والترادف الموسيقي، واستمر معه في الرسالة، فسترى هذا العنصر في فنه، وصياغته يتضح أكثر إذ يقول:

"عبتموني حين ختمت على سد "سل" عظيم، وفيه شيء ثمين من فاكهة نفيسه، ومن رطبة غريبة، على عبد نهم، وصبى جشع، وأمة لكعاء، وزوجة


١ انظر الرسالة بطولها في فاتحة كتاب البخلاء للجاحظ.

<<  <   >  >>