للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرقاء، وليس من أصل الأدب، ولا في ترتيب الحكم، ولا في عادات القادة، ولا في تدبير السادة، أن يستوي في نفيس المأكول، وغريب المشروب، وثمين الملبوس، وخطير المركوب، والناعم من كل فن، واللباب من كل شكل، التابع والمتبوع، والسيد والمسود، كما لا تستوي مواضعهم في المجلس، ومواقع أسمائهم في العنوانات وما يستقبلون به من التحيات.. وعبتموني بخصف "إصلاح" النعال، وبتصدير القميص، وحين زعمت أن المخصوفة أبقى، وأوطأ وأرقى، وأنفى للكبر، وأشبه بالنسك، وأن الترقيع من الحزم، وأن الاجتماع مع الحفظ، وأن التفرق مع التضييع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ولقد لفقت سعدى بنت عوف إزار طلحة، وهو جواد قريش، وهو طلحة الفياض".

وما من ريبفي أن صوت سهل قد اتضح لنا الآن بجميع خصائصه، فهو يعمد إلى الجدل والدقة في الحوار كما يعمد إلى شيء طريف في أسلوبه، إذ نرى الألفاظ تنوازن لكن لا في شكل سجع، بل في شكل تقطيعات دقيقة، وكأني بسهل لم يكن يعمد إلى أداء أفكاره بلفظ فصيح فقط كما كان يصنع ابن المقفع، بل كان يعمد إلى ضروب من التوقيع الصوتي في اللفظ، حتى تستقيم لأسلوبه فنون من الجمال المادي الذي يخلب سامعيه، كي يؤثر في وجدانهم وعواطفهم، بجانب ما يؤثر به في عقولهم من حجاجه وجدله، والتماسه للبراهين، والأدلة على أفكاره.

وهذا التقطيع الصوتي في أسلوب سهل اقترن به عنصر آخر في صنعته، هو عنصر الترادف الذي أشرنا إليه، وارجع إلى هذه القطعة التي رويناها له فسترى كل معنى لا يؤدى أداء واحدا في عبارة واحدة، بل يؤدي أداءين أو أكثر حتى يتم لسهل ما يريد من توقيع صوتي، وتعادل موسيقي بين ألفاظه وعباراته، وقد جره ذلك إلى ضروب من الترادف في تراكيبه، ولكنه ترادف طريف أو قل بعبارة أدق إنه ترادف فني، فقد كان سهل يريد أن يؤدي به خصائص فنية بجانب ما يؤدي من خصائص ذهنية، وعلى هذا النحو كانت تندمج في أساليبه

<<  <   >  >>