للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه أن يكتب له رسالة في العباسية والاحتجاج لها، ويقال: إنه أقيم على ديوان الرسائل غير أنه لم يمكث فيه سوى ثلاثة أيام١، وكأنه لم يستطع الخضوع لنظم الدواوين، وما يقتضيه سير العمل فيها فوجدناه يهجرها إلى داره، وما عكف عليه من إدمان القراءة والتأليف، ويظهر أن كبراء الدولة كانوا يكفونه حاجته، فقد روى أن ابن الزيات أعطاه في كتاب الحيوان خمسة آلاف دينار، وأعطاه ابن أبي دؤاد في البيان والتبيين خسمة آلاف دينار ثانية، كما أعطاه إبراهيم بن العباس الصولي خمسة آلاف ثالثة في كتاب الزرع والنخل٢، أما الفتح بن خاقان، وزير المتوكل الذي صنف له رسالته في فضائل الترك، فقد أجرى عليه راتبا شهريا كان يتقاضاه من خزانة الدولة٣.

وعلى هذا كان الجاحظ يتصل بكبار رجال الدولة العباسية، وكانوا يوادونه ويصادقونه، ويقال: إنه كان صديقا لابن الزيات مقربا منه، فلما قبض عليه وأودع في التنوير فر الجاحظ هاربا خوفا من أن يناله نفس عقابه، ولما قبض عليه، وقدم إلى ابن أبي دؤاد عدو ابن الزيات لقيه لقاء جافا، فاعترضه قائلا: "خفض عليك -أيدك الله! - فوالله لأن يكون لك الأمر علي خيرا من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن أحسن في الأحدوثة من أن أحسن وتسيء، ولأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل بك من الانتقام مني، فعفا عنه"٤، وعاد إلى البصرة يؤلف، ويكتب هذه المصنفات، والكتب التي كان يتعلق بها العامة والخاصة تعلقا شديدًا٥، وربما كان من أسباب ذلك ما امتاز به من ميل إلى التندر، والدعابة حتى ليقول بن أبي دؤاد: "إني أثق بظرفه"٦، ويصف من جاءوا بعده كتبه، فيقولون: إنها مكتوبة في ضروب من الجد والهزل٧، ومن طرف الجاحظ في ذلك أنه قال عن نفسه: نسيت كنيتي


١ معجم الأدباء ١٦/ ٧٩.
٢ انظر في ذلك نفس المصدر ١٦/ ١٠٦.
٣ انظر معجم الأدباء ١٦/ ٩٩.
٤ أمالي المرتضى ١/ ٩٥، "ومعجم الأدباء ١٦/ ٧٩".
٥ معجم الأدباء ١٦/ ٩٨.
٦ نزهة الأليا ص٢٥٨.
٧ معجم الأدباء ١٦/ ٧٦.

<<  <   >  >>