للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجموعة من الآراء تعصبت لها طائفة من المعتزلة سميت باسم الجاحظية١، ومهما يكن فقد كان الجاحظ من طائفة المعتزلة، وهي طائفة عرفت في هذا العصر بكثرة الجدل والحوار كما عرفت بسعة ثقافتها، واتصالها بجميع ألوان المعارف لعصرها، وخاصة المعارف اليونانية.

ولم يشتهر المعتزلة في العصر العباسي بجدلهم وثقافتهم فقط، بل اشتهروا بشيء مهم أيضا، وهو فصاحتهم وبلاغتهم حتى ليقول الجاحظ: "إن كبار المتكلمين ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء، وأبلغ من كثير من البلغاء"٢.

وقد وصفهم صاحب الانتصار فقال: "إن الكلام لهم دون سواهم"٣، ويقول صاحب المقابسات: "إن طريقتهم مؤسسة على مكايلة اللفظ باللفظ، وموازنة الشيء بالشيء، والاعتماد على الجدل"٤، ويظهر أيضا أنهم كانوا يعتمدون في جدلهم على الاستشهاد بالشعر، ويقول المرتضى عن أبي الهذيل العلاف: "كان يحفظ كثيرا من الشعر العربي ويستشهد به في مجالسه، قال المبرد: ما رأيت أفصح من أبي الهذيل والجاحظ، وكان أبو الهذيل أحسن مناظرة، شهدته في مجلس، وقد استشهد في جملة كلام بثلاثمائة بيت"٥، وتوفي أبو الهذيل حوالي عام ٢٣٢هـ. وربما كان من تأثيره ما نجده عند الجاحظ في كتبه من كثرة استشهاده بالشعر، وقد يكونان هما جميعا يتأثران بطريقة غيرهما من المعتزلة في هذا الاستشهاد، بمعنى أنه استقر قبلهما عند أبناء مذهبهما.

ومهما يكن فقد لقف الجاحظ في بيئة المعتزلة الجدلة اللسنة فصاحته، وبيانه متأثرا بكتابات عصره، وخاصة كتابات سهل بن هارون الذي كان يشغف به، كما لاحظ ابن النديم في فهرسته، ونحن لا نصل إلى القرن الثالث حتى نجده وقد استوت له شهرة فائقة بين كتاب عصره، ولعل ذلك ما جعل المأمون يطلب


١ انظر الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي، طبع مطبعة المعارف ص ١٦٠ -١٦٢ حيث عرض للرد على الجاحظية وآرائها.
٢ البيان والتبيين ١/ ٣٩.
٣ الانتصار لابن الخياط "طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر" ص ٧٢.
٤ المقابسات "طبع مصر" ص ٢٢٣.
٥ المنية والأمل ص ٢٦.

<<  <   >  >>