للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانا سببًا في شيوع السجع، والتصنيع في الكتابة التاريخية عند العماد الاصبهاني، ومن لف لفه، وقد كان اللثعالبي أيضًا أثره في هذا الجانب، فقد قدم للأدباء من كتاب، وشعراء في يتيمته بمقدمات مسجوعة، اعتمد فيها على زخرف البديع.

على أننا نلاحظ أن هؤلاء الكتاب جميعًا من أصحاب مذهب التصنيع والسجع، والبديع أخذت تظهر على أسلات أقلامهم شيات مذهب آخر هو مذهب التصنع، إذ نراهم يعمدون إلى تعقيد أساليبهم الزخرفية، أو إلى اتخاذ فنون جديدة في نثرهم، لا تمت إلى التجميل، والتصنيع بصلة، إنما تمت إلى التحذلق والتكلف، ويظهر أنه كان لكتاب الرسائل الشخصية الأثر الأول في هذا الجانب، فإن موضوع رسائلهم عادة تهنئة، أو عتاب أو رثاء، أو اعتذار أو استمناح، وهي موضوعات محدودة بطبيعتها، فماذا يصنع الكاتب المصنع الذي يريد أن يثبت براعته، وتفوقه؟ هل يقتصر على سطور معدودة؟ إن الاقتصار على سطور قليلة لا يعطي فرصة لبيان مهارة الكاتب، وإذن فلا بد له من أن يطيل، ولكن كيف يطيل، ومعانيه محدودة؟ لم يجد سبيلًا إلى ذلك إلا أن يمد معانيه بكل وسيلة ممكنة، ولم ير مانعًا أثناء هذا الامتداد عن اللجوء إلى المبالغات، والتهويلات، والاعتداد بكثيرة العبارات، حتى ليخيل إلى الإنسان، وهو يقرأ رسالة للخوارزمي، أو للبديع أنه يقرأ في أساليب كتبت لتحفظ لا لتعبر عن معنى، فالمعاني فقدت قيمتها، ولم يعد لها أهمية، إنما الأهمية كلها للألفاظ، وما تطرز به من وشي وحلي، وحتى المقامات التي ابتكرها بديع الزمان تسمها هذه المياسم، فهي لا تعبر عن قصص كما يفهم منها، وإنما تعبر عن عبارات مرصوصة، يمكن للأديب أن يستخدمها في أعماله.

والحق أننا لا نمضي في قراءة الخوارزمي، وبديع الزمان، وهما أهم المصنعين بين كتاب الرسائل الشخصية لتلك الصعور، حتى نحس بأن تألف الرسائل أصبح لا يقصد به إلى التعبير عن معان خاصة، إنما يقصد به إلى التعبير عن غايات تعليمية، فهي رسائل يقرؤها المؤدبون ليحفظوها، ويحوكوا على مثالها لأنفسهم

<<  <   >  >>