للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ندمائه المختصين به، فلم يخل من طل إحسانه ووابله، وغامر إنعامه ونائله، وتزود من كتابه إلى حضرة عضد الدولة بشيراز ما كان سببًا لارتياشه ويساره، فإنه وجد فيها قبولًا حسنًا، واستفاد منها مالًا كثيرًا، ولما انقلب عنها بالغنيمة الباردة إلى نيسابور استوطها، واقتنى بها ضياعًا وعقارًا، ودرت عليه أخلاف الدنيا من جميع الجهات، وحين عاود شيراز ورد منها عللًا بعد نهل، فأجرى له عند انصرافه رسم يصل إليه في كل سنة بنيسابور مع المال، الذي كان يحمل من فارس إلى خراسان، ولم يزل بحسن حال ... يقيم للأدب سوقًا، ويعيده غضا وريقًا، ويدرس ويملي، ويشعر ويروي، ويقسم أيامه بين مجالس الدروس ومجالس الأنس، وكان يتعصب لآل بويه تعصبًا شديدًا، ويغض من سلطان خراسان، ويطلق لسانه بما لا يقدر عليه"١، وتعصب الخوارزمي للبويهيين طبيعي لما ذكره الثعالبي من تكريمهم له وبذلهم، على أن ذلك كان سببًا في أخذه، وحبسه واستخراج بعض المال منه إلا أنه احتال يومًا، وهرب إلى حضرة الصاحب متنكرًا، واستمر عنده حتى تولى الوزارة في خراسان صديقه أبو الحسن المزني، "فاستدعاه وأكرم مورده ومصدره، وكتب إلى نيسابور في رد ما أخذ منه عليه، ففعل، وزادت حالته، وثبت قدمه، ونظر إليه ولاة الأمر بنيسابور بعين الحشمة، والاحتشام، والإكرام والإعظام، فارتفع مقداره، وطاب عيشه"٢، ويظهر أنه كانت بنيسابور جماعة مستوحشة منه جدًا، فاستغلوا الفرصة حين وفد بديع الزمان على بلدتهم في أخريات أيام الخوارزمي، وعقدوا مناظرات بينهما، وأعانوا البديع عليه٣، ولم يحل الحول حتى توفي، وكانت وفاته سنة ٣٨٣ هـ، ومولده سنة ٣٢٣ هـ٤.

ويبالغ بديع الزمان في وصف هزيمته للخوارزمي حين دعى لمناظرته. على أنه ينبغي أن نتلقى هذه المبالغة بشيء من الاحتياط؛ لأن البديع هو الذي رواها


١ اليتيمة ٤/ ١٩٥.
٢ اليتيمة ٤/ ١٩٦.
٣ اليتيمة ٤/ ١٩٦.
٤ اليتمية ٤/ ١٩٦ وانظر وفيات الأعيان ١/ ٥٢٣.

<<  <   >  >>