للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في رسائله من جهه١؛ ولأن الخوارزمي كان له خصوم في نيسابور، وقفوا ضده فيها من جهة أخرى، ولعل صاحب اليتيمة كان دقيقًا في حكمه حين قال في ترجمة بديع الزمان: "ثم شجر بينه، وبين أبي بكر الخوارزمي ما كان سببًا لهبوب ريح الهمذاني، وعلو أمره، وقرب نجحه، وبعد صيته، إذ لم يكن في الحسبان والحساب أن أحدًا من الأدباء والكتاب، والشعراء ينبري لمباراته، ويجترئ على مجاراته، فلما تصدى الهمذاني لمساجلته، وتعرض للتحكك به، وجرت بينهما مكاتبات، ومقامات، ومناظرات ومناضلات، وأفضى السنان إلى العنان، وقرع النبع بالنبع٢، وغلب هذا قوم، وذاك آخرون، وجرى من الترجيح بينهما ما يجري بين الخصمين المتحاكمين، والقرنين المتصاولين، طار ذكر الهمذاني في الآفاق، وارتفع مقداره عند الملوك والرؤساء، وظهرت أمارات الإقبال على أموره، وأدر له أخلاف الرزق، وأجاب الخوارزمي داعي ربه، فخلا الجو للهمذاني، وتصرفت به أحوال جميلة"٣، فصاحب اليتيمة يرى أن نجاح البديع في هذه المناظرات، لم يجئ من أنه انتصر على الخوارزمي، وإنما جاء من أنه استطاع أن يثبت له، وسرعان ما أتى الحادث المفاجئ، فتوفي الخوارزمي، وخلا الجو للبديع.

ومهما يكن، فقد كان الخوارزمي من كبار الأدباء في عصره، روى ابن خلكان أنه استأذن على الصاحب في أرجان، وهو لا يعرفه، فقال لحاجبه: قل لهذا المستأذن قد ألزمت نفسي أن لا يدخل على أحد من الأدباء، إلا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب، فخرج إليه الحاجب وأعلمه بذلك، فقال له أبو بكر الخوارزمي: ارجع إليه، وقل له هذا القدر من شعر الرجال، أم من شعر النساء؟ فدخل الحاجب، فأعلم الصاحب بما قال، فقال الصاحب: هذا يكون أبا بكر الخوارزمي٤، والحق أن أبا بكر كان أستاذًا كبيرًا في


١ انظر هذه المناظرات في رسائل بديع الزمان "طبع بيروت سنة ١٩٢١ " ص ٢٨، وما بعدها.
٢ النبع: شجر للقسي والسهام.
٣ اليتيمة ٤/ ٢٤١.
٤ وفيات الأعيان ١/ ٥٢٣.

<<  <   >  >>