للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصره، ولعله من أجل ذلك أسند إليه منصب تخريج التلاميذ في نيسابور١، ويظهر أنه كان متشيعًا غالبًا في تشيعه، ففي رسائله رسالة شيعية صب فيها جام غضبه على الخلفاء من الأمويين والعباسيين٢، وإن من يرجع إلى رسائله يجدها تستحوذ على خصائص مذهب التصنيع لعصره في صورة بالغة من السجع، والبديع، وانظر إليه يكتب إلى أبي علي البلعمي لما طال عتبه، وكثرت رقاعه٣:

"الكريم -أيد الله تعالى الشيخ- إذا قدر، غفر، وإذا أوثق أطلق، وإذا أسر أعتق، ولقد هربت من الشيخ إليه، وتسلحت بعفوه عليه، وألقيت ربقة حياتي ومماتي بيديه، فليذقني حلاوة رضاه عني، كما أذاقني مرارة انتقامه مني، ولتلح على حالي غرة عفوه، كما لاحت عليها مواسم غضبه، وسطوه، وليعلم أن الحر كريم الظفر إذا نال أقال، وأن العبد لئيم الظفر، إذا نال استطال، وليغتنم التجاوز عن عثرات الأحرار، ولينتهز فرص الأقدار، وليحمد الله تعالى الذي أقامه مقام من يرجى، ويخشى، وركب نصابه في رتبة شاب الزمان ومجدها فتي، وأخلق العالم وذكرها طري، فجعله في الميلاد كريمها، وسليلها، وفي الرتبة قدوتها وجليلها، وليعتقد أنه قد هابه من استتر، ولم يذنب إليه من اعتذر، وأن من رد عليه عذره، فقد خرج إلى الشجاعة بعد الجبن، وأخرج ذنبه إلى صحو اليقين من سترة الظن، وفق الله تعالى الشيخ لما يحفظ عليه قلوب أوليائه، وعصمه بما يزيد به في جماجم أعدائه، وليس بين الموالات والمعاداة، إلا لقية بشعة، أو لفظة قذعة".

وأنت ترى في هذه الرسالة، أن الخوارزمي يعتمد على السجع اعتمادا يشبه ما رأيناه سابقًا عند ابن العميد، والصاحب، فهو ينتخب لفظه كما ينتخب أسجاعه، وهو يعني بالسجع القصير، حتى لا يطول الزمان على الأذن، فتخرج من الجو


١ في رسائل الخوارزمي ما يدل على كثرة تلاميذه، فهو يراسلهم، ويوصي بهم الأمراء والرؤساء، انظر الرسائل "طبع الجوائب" ص١٠، ١٢، ٣٧، ٥٠، ٧٥، ٩٤، ٩٨، ١١٩، ١٢٤، ١٥٥، ١٥٩، ١٨٠.
٢ رسائل الخوارزمي ص١٣٠.
٣ رسائل الخوارزمي ص٩٦.

<<  <   >  >>