للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يعبر عن معان، بل هي أن يعبر عن أساليب يحفظها الطلاب، وما من شك في أن هذا كان أحد الأسباب في شيوع العبارات المحفوظة في اللغة العربية، إذ نجدها تميل منذ الخوارزمي إلى الاحتفاظ بصيغ خاصة من التعبيرات، يرددها الأدباء في كتاباتهم.

وليس هذا كل ما يلاحظ على تصنيع الخوارزمي، وتطرفه فيه، بل إننا نلاحظ عليه أشياء أخرى، لعل في مقدمتها أنه يكثر من الإشارات التاريخية١، كما يكثر من ذكر الشعر، وهي حال أوسع من أن ندل عليها، وأيضًا فإنه كان يكثر من نثر الشعر، وإدماجه في كتابته، بل إنه ليعترف بأنه يكثر من إغارته على الكتاب، الذين سبقوه إذ يقول صراحة: "ما زلت أسرق من هذا كلمة، وأنظر من ذاك فقره، وأستعير من هناك نادرة وثيقة، أغصب الأحياء على بيانهم، وأنبش الموتى من أكفانهم"٢، ونراه في مقدمة إحدى رسائله يقول: "كتابي وأنا في سلامة إلا من الحر الذي يذيب دماغ الضب، ويشبه قلب الصب، وهذا سرقته، من رسائل الوزير الجليل ابن عباد، وليس بأول غارة الكردي على الحاجي، ولا بأول أخذ الطرار، ما التجار"٣، ولعل هذه السرقة وأمثالها هي التي جعلته يصف أسلوبه بأنه "سجع ملزق، وكلام ملفق"٤. والحق أننا نجد عند الخوارزمي ميلا واضحًا إلى الحذلقة في التعبير، وإنها لحذلقة تؤديه أحيانًا إلى أن تصنع لبعض ألفاظ من النجو، إذ يقول لصديق له: "وكيف صرت المستثنى، وقعدت على طريق إلا"٥، وقد نحس هذه الحذلقة نفسها في رسائل التصنيع كقوله في إحدى رسائله: "لقد أراحني الشيخ ببره، لا بل أتعبني بشكره، وفزعني بصادق قيامه لا بل شغلني بتعديد إحسانه وإنعامه، وخفف ظهري من ثقل المحن، لا بل أثقله بأعباء المنن، وأحياني بحقيق الرجاء، لا بل أماتني بقرط الحياء"٦، وعلى


١ رسائل الخوارزمي ص٣٥، ٩٧.
٢ رسائل الخوارزمي ص٣٦.
٣ نفس المصدر ص٧٩.
٤ نفس المصدر ص٣٤.
٥ نفس المصدر ص٢٦.
٦ نفس المصدر ص١٠٦.

<<  <   >  >>