للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يكون في هذا الشعر -إذا صحت نسبته إليه- ما يعلل لمفارقته بلده في مقتبل حياته، وقد تركها إلى حضرة الصاحب بن عباد زعيم أدباء عصره حينئذ، فتزود من ثماره وحسن آثاره١، ونراه يترك الصاحب إلى جرجان إذ "أقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية، والتعيش في أكنافهم، والاقتباس من أنوارهم، ثم قصد نيسابور فوافاها في سنة ٣٨٢هـ، ونشر بها بزه، وأظهر طرزه، وأملى أربعمائة مقامة! نحلها أبا الفتح الإسكندري في الكدية وغيرها"٢.

على أنه لا يستمر طويلًا في نيسابور، إذ نراه يرحل عنه متجولًا في خراسان، وسجستان وغزنة وما حواليه، ويقول الثعالبي: أنه "لم يبق من بلدة في ذه الأنحاء إلا دخلها، وجنى وجبى ثمارته، واستفاد خيرها وميرتها، ولا ملك ولا أمير لا وزير، ولا رئيس إلا استمطر بنوئه، وسرى في ضوئه، ففاز برغائب العم، وحصل على غرائب القسم، وألقى عصاه بهراة، واتخذها دار قراره، ومجمع أسبابه، واقتنى ضياعًا فاخرة، وعاش عيشة راضية، وحين بلغ أشده، وأربى على الاربعين ناداه الله فلباه، وفارق دنياه سة ٣٩٨ هـ"٣.

واشتهر بديع الزمان بحافظة قوية قوة شديدة، يقول صاحب اليتيمة: "إنه كان صاحب عجائب، وبدائع وغرائب، فمنها أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتًا، فيحفظها كلها، ويؤديه من أولها إلى آخرها، لا يخرم حرفًا، ولا يخل بمعنى، وينظر في الأربعة والخمسة أوراق من كتاب لم يعرفه، ولم يره نظرة واحدة خفيفة، ثم يهذها عن ظهر قلبه هذا، ويسردها سردًا"٤، وكما اشتهر بديع الزمان بحافظته اشتهر بسعة ارتجاله"٥، وكان يعرف الفارسية، ويترجم بعض أشعارها إلى العربية، ويقال: إن الصاحب بن عباد اختبر مهارته في هذا الجانب٦، ويقول صاحب اليتيمة:


١ اليتيمة ٤/ ٢٤١.
٢ اليتيمة ٤/ ٢٤١.
٣ اليتيمة ٤/ ٢٤٢.
٤ اليتيمة ٤/ ٢٤٠.
٥ اليتيمة ٤/ ٢٤٠.
٦ Browne, Lit Hist ofpersia. vol ll, p. ١١٢.

<<  <   >  >>