للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه "كان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيان العربية، فيجمع فيها بين الإبداع، والإسراع"١.

وليس هناك كاتب في القرن الرابع نال من التمجيد، والثناء ما ناله بديع الزمان، وحتى اسمه لا يعرفه الناس، وإنما يعرفونه بلقبه الذي أطلقه عليه معاصروه، وإنه ليفصح عن مدى إعجابهم به، يقول الثعالبي: "هو معجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصر، ومن لم يبلق نظيره في ذكاء القريحة، وسرعة الخاطر، وشرف الطبع، وصفاء الذهن، وقوة النفس، ومن لم يدرك قرينه في طرف النثر وملحه وغرره، ولم ير ولم يرو أن أحدًا بلغ مبلغه من لب الأدب وسره، وجاء مثل إعجازه، وسحره"٢، ويقول الحصري وقد ذكر اسمه "البديع": "هذا اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، كلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفًا، والهوى يعشقه ظرفا"٣، وكان الحصري يتعصب له على الخوارزمي، وبلغ من تعصبه أنه لم يرو للخوارزمي شيئًا في كتابه، بينما أكثر من روايته عن البديع، إذ كان يعجب به، وبمقدرته على التجويد، والتحبير إعجابًا شديدًا، وقد ترك بيدع الزمان مجموعة كبيرة من الرسائل نيف على مائتين وثلاثين، وأكثرها في علاقاته الشخصية، وبعضها في مسائل أدبية، وقد تحدث في الرسائل رقم ١٦٧ عن انتشار التشيع، ومن يتصفح هذه الرسائل يحس فيها أثر الاحتفال والجهد الشديد، واستمع إليه في هذه الرسالة القصيرة٤:

"يعز علي -أطال الله بقاء الرئيس- أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي، ويسعد برؤيته رسولي، دون وصولي، ويرد مشرعة الأنس به كتابي، قبل ركابي، ولكن ما الحيلة والعوائق جمة:

وعلي أن اسعى وليـ ... ـس علي إدراك النجاح


١ اليتيمة ٤/ ٢٤١.
٢ اليتيمة ٤/ ٢٤٠.
٣ زهر الآداب للحصري ١/ ٣٠٧.
٤ رسائل بديع الزمان ص ١٠٣.

<<  <   >  >>