للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجديدة في الكتابة قال: إنها شعبذة، وحقا ما يقوله الخوارزمي: فإنها لا تفصح عن جمال، وإنما تفصح عن لعب، والخوارزمي لم يكن يفهم هذا اللعب؛ لأنه ليس من قبيل زخرف التصنيع الذي يعهده، غير أننا لا نمضي عند بديع الزمان حتى نحس تحولًا في هذا الزخرف، وهو تحولا لا يتصل به مباشرة، إنما يتصل بطرق أدائه، فإذا هذه الطرق تصعب هذا التصعيب، الذي يحس فيه الخوارزمي ضربًا من ضروب الشعبذة، ورد البديع عليه حين أنكر منه ذلك بقوله: "إنك لا تحسن من الكتابة إلا هذه الطريقة الساذجة، وهذا النوع الواحد المتداول بكل قلم، المتناول بكل يد وفم"١، ويقص علينا بديع الزمان أنه قرأ على الخوارزمي، ومن حضروا مناظرتهما كتابًا منكوسا، ثم سرده معكوسًا، وقال: "إن الجماعة، بهتت العيون زرقت٢، وفي إعجاب هذه الجماعة بشعبذته ما يدل على أننا أصبحنا على وشك الانتقال إلى مرحلة التصنع، إذ أخذ الناس يعجبون بالطرق الغريبة في التعبير، كأن الإغراب من حيث هو شيء له جلاله، وخطره في صناعة الرسائل، وحقًا إن البديع لم يتحول في عمله كله إلى هذه الوجهة، ولكننا نجد عنده بعض عناصرها وبعض مقدماتها، بحيث لا نبعد إذا قلنا: إنه كان من أهم من رشحوا لمذهب التصنع، وظهوره.


١ رسائل بديع الزمان ص٧٦.
٢ الرسائل ص٧٨، وزرقت: انقلبت، وظهر بياضها عجبًا، وحيرة.

<<  <   >  >>