للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مما كانت عليه قبل ذلك، اشتهر من شعرائها حينئذ الأحنف العكبري، وأبو دلف الخزرجي، أما الأحنف، فيقول عنه صاحب اليتيمة: إنه "شاعر المكدين وظريفهم، ومليح الجملة، والتفصيل منهم"، وروى له بعقب ذلك قصيدة دالية طويلة عرض فيها لحرفة الكدية عرضًا واسعًا١، وأما أبو دلف، فيقول فيه صاحب اليتيمة: "شاعر كثير الملح الطرف، مشحوذ المدية في الكدية، خنق التسعين في الإطراب والاغتراب، وركوب الأسفار الصعاب، وضرب صفحة المحراب بالجراب، في خدمة العلوم والآداب, وكان ينتاب حضرة الصاحب ويكثر المقام عنده، ولما أتحفه بقصيدته التي عارض بها دالية الأحنف العكبري في المناكاة، وذكر المكدين، والتنبيه على فنون حرفهم، وأنواع رسومهم.. اهتز ونشط لها، وتبجح بها، وتحفظها كلها وأجزل صلته عليها"٢، وهي قصيدة طويلة رواها صاحب اليتيمة، وفيها ذكر الأحنف الألفاظ الاصطلاحية لأهل الكدية، وما كانوا يتخذونه في مناكاتهم أي كلامهم، الذي يتكدون به من مصطلحات خاصة، كما ذكر حيلهم، وتفننهم في هذه الحيل على صور شتى٣، وعرض بديع الزمان في مقاماته لكثير من هذه الحيل٤، كما سمى مقامة له باسم المقامة الساسانية نسبة إلى هذه الطائقة، وما لنا نذهب بعيدًا، وقد كان البديع نفسه راوية لأبي دلف٥، فقد نسب إلى أبي الفتح الإسكندري بطل مقاماته هذه الأبيات٦:

ويحك هذا الزمان زور ... فلا يغرنك الغرور

زوق ومخرق وكل وأطبق ... واسرق وطلبق لمن يزور

ولا تلتزم حالة ولكن ... در بالليالي كما تدور

وهي من شعر أبي دلف٧، وكل ذلك يؤكد الصلة، ويوثقها بين بديع


١ اليتيمة ٣/ ١٠٤.
٢ اليتيمة ٣/ ٣٢١.
٣ اليتيمة ٣/ ٣٢٤.
٤ انظر المقامة الرصافية في مجموع مقاماته، وهي تعتبر من بعض الوجوه نثرًا لقصيدة أبي دلف المذكورة.
٥ اليتيمة ٣/ ٣٢٣.
٦ انظر المقامة الأولى من مقاماته، وهي المقامة القريضية.
٧ اليتيمة ٣/ ٣٢٣.

<<  <   >  >>