بغاية هي الفصل، الهمزة غاياته كلها الهمزة، وأبو العلاء لا يكتفي بذلك، بل يلتزم حرفًا قبل جميع غاياته هو الألف، ولا تظن أنه يصنع هنا ما صنعه في ديوان اللزوميات من التزام حرف قبل الروي، وتوحيده في المقطوعة التي ينظمها، فهناك كان يستطيع أن يغير الحرف كما يريد، أما هنا فهو يعينه بحرف الألف، ففصل الهمزة مثلًا تختتم فقراته كلها بجملة فيها ألف وهمزة، وكذلك فصل الباء والتاء والثاء وهلم جرًا، وانظر في الفقرة السابقة التي عرضناها عليك، فغايتها قباث، وهي مختومة بثاء بعد الألف، وكذلك جميع فقرات فصل الثاء تختتم على هذا النحو، فإذا رجعت إلى الكتاب وجدتها تتوالى هكذا: وراث، أحداث، حثاث، جثجاث ... ويستمر على هذا النمط حتى يختتم الفصل.
وليست هذه العقدة هي كل ما فزع إليه أبو العلاء في فصوله وغاياته، فهناك عقد كثيرة كان يلجأ إليها، لعل من أهمها أنه كان يلتزم داخل فقره كثيرًا أن تتوالى السجعات، وقد اشتركت نهايتها في حرفين أو أكثر، على أن هذه العقدة سبق أن لاحظناها عنده في رسالة الغفران، وربما كانت أهم عقدة استمد منها أبو العلاء كل ما يريد من تعقيد في أسلوبه، وتصعيب هي عقدة اللغة، ولعل القارئ لاحظ ذلك في ما رويناه حتى الآن من الكتاب، ولذلك عمدنا في الهوامش إلى تفسير بعض الألفاظ، وحقًا ما قاله ناصر خسرو من أن هذا الكتاب أودع كلمات مرموزة، وأمثالًا وأنه لا يفهمه إلا من قرأه على أبي العلاء نفسه، وقد قالوا: إنه فسره بكتاب يسمى السادن١، ومن يرجع إلى القسم الذي نشر من الكتاب يجد أنه يصحب بتفسير، فالفقرة تكتب ثم يلحقها التفسير، فإذا انتهى التفسير جاءت كلمة "رجع" للدلالة على الرجوع إلى أصل الكتاب وفقره، وأكبر الظن أن هذا التفسير من صنع أبي العلاء، وقد يكون هو نفسه كتاب السادن الذي شرح به الكتاب، ألحقه به أحد تلاميذه، أو ألحقه به شخص متأخر.