للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غاية المطلقين، شكا الطلب، داء في الخلب، وربك شافي المشتفين١، قد تقف الطراب، على رءوس الظراب ترمق آثار المتحملين٢، ولو شاء الله جعل جناحًا كالحضر، وأبا مهدية مثل قباث"٣.

ولكن هل ظهور هذه الأساليب، وما يطوي فيها من صور مشبهة لعبض صورة القرآن الكريم في أساليبه، تجعلنا ننطلق إلى اتهام أبي العلاء بمعارضة القرآن الكريم، أو ينبغي أن نتريث وأن لا نحكم هذا الحكم إلا إذا دعمناه بأدلة أشد من ذلك وضوحًا؟ والحق أن تهمة أبي العلاء لا تثبت بمثل هذه الصورة، وخاصة أن أبا العلاء لم يشعها في فصوله وغاياته، بل لقد جاء بها في القليل النادر جدًا، ومن يدري؟ ربما قلد أبو العلاء أساليب القرآن الكريم في بعض جوانب من كتابه، ولكنه لم يرد تقليده إلى المعارضة والتحدي، وإنما أراد مطلق التقليد الخالي من أي غرض من أغراض الإلحاد، وقد يكون من الأدلة على ذلك أن الكتاب كله ينساق في موجة عظيمة من تحميد الله وتمجيده، وأيضا فإننا إذا تركنا هذه الجوانب القليلة في الكتاب، ونظرنا في أساليبه نظرة عامة، وجدنا أبا العلاء يختار لنفسه فيه أسلوبًا معقدًا تعقيدًا شديدًا، وهو تعقيد يقوم على استخدام اللفظ الغريب، وما يطوي فيه من أمثال، وكلمات رمزية، وإن ذلك ليباعد الكتاب جملة عن أسلوب الذكر الحكيم، ويجعله أسلوبا من طراز آخر هو طراز مذهب التصنع، وما انتهى إليه هذا المذهب عند أبي العلاء من عقد، وكلف كثيرة.

ولعل أول ما يلاحظ من عقد أبي العلاء، وكلفه في هذا الكتاب أنه قسمه على حروف المعجم عدا حرف الألف، فخرج له من ذلك ثمانية وعشرون فصلًا، وجعل كل فصل كالهمزة مثلًا ينقسم إلى فقرات، وكل فقرة تختتم


١ الشبب: الثور الوحشي. الطلب: الذي يطلب النساء. الخلب: غشاء القلب.
٢ الظراب: الحبال الصغار. المتحملين: المسافرين.
٣ جناح: بيت لأبي مهدية الأعرابي، الذي يروي عنه أبو عبيدة. الحضر: حصن الملك يسمى الساطرون. قباث: ملك ملوك الفرس يسمى قباذ.

<<  <   >  >>