للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأندلسيين أنهم كانوا من أجناس مختلفة، ففيهم بسك وسلت وجلالقة، وقندال وقوط وفينيقيون، ورومانيون وعرب وبربر، وهذا الخليط المتباين من شأنه أن لا يمتزج وأن يظل فيل خلل يدعوا الناس للثورة والفتن وسفك الدماء، ويكاد الإنسان يؤمن بأنه لم تخل بقعة في الأندلس في أثناء الحكم العربي من دم مسفوح.

وليس كل ما يميز الحكم العربي في الأندلس كثرة الفتن والثورات، فهناك مميزات أخرى طريفة، لعل من أهمها قوة رجال الدين، إذ كانوا يقومون من الأمراء مقام المعارضة، وكانوا كثيرًا ما ينقدون ما يقررونه هم، ومجلس وزرائهم من ضرائب فادحة، وكانوا يستشارون في شئون الحكم عامة، فإذا جاء أمير وحاول أن يقلل من نفوذهم ثاروا عليه على نحم ما كان من ثورتهم عام ٢٠٦ على الحكم الأول، ولما ثار رجال الدين حينئذ ثار معهم أهل قرطبة.

ومعنى ذلك أن الشعب في الأندلس، كان يحاول أن يدافع عن حقوقه، وأن يعلن هذه الحقوق في شكل ثورة إن لم يستجب إليها الحكام استجابة سليمة، وأوضح ذلك صاحب نفح الطيب، إذ يقول: "الأغلب عند الأندلسيين إقامة الحدود، وإنكار التهاون بتعطيلها، وقيام العامة في ذلك وإنكاره إن تهاون فيه أصحاب السلطان، وقد يلج السلطان في شيء من ذلك ولا ينكره، فيدخلون عليه قصره المشيد، ولا يعبأون بخيله ورجله حتى يخرجوه من بلدهم، وهذا كثير في أخبارهم، وأما الرجم بالحرج للقضاة، والولاة للأعمال إذا لم يعدلوا فكل يوم"١.

وبجانب ذلك نجد للأندلس العربية شخصية اجتماعية تميزها -إلى حد ما - عن شخصية المشرق، ويبدو ذلك في جانبين، أما أولهما فكثرة الغناء والجوقات التي أهلت لظهور الموشحات والأزجال هناك، وأما ثانيهما فمساهمة المرأة في الحياة الأدبية مساهمة، تجعلنا نذكر سيدات فرنسا من صواحب المنتديات "الصالونات" في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكلنا نعرف أخبار ولادة بنت المستكفي مع ابن زيدون، وغيره من أدباء الأندلس، على أن هذا ليس معناه


١ نفح الطيب "طبع بولاق" ١/ ١٠٣.

<<  <   >  >>