للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقد، وانصرفت إليه الوجوه، وعلقت عليه الآمال، وغشي بابه الخاصة والكافة، وغصت به بطانة السلطان وحاشيته، فتوافقوا على السعاية فيه"١، وأحس لسان الدين بذلك، ففر إلى أبي فارس المريني وكان قد ملك تلمسان فأكرمه٢، إلا أن رجال حاشيته سرعان ما أوغروا صدره عليه، إذ اتهموه بالزندقة، فألقى به في غياهب السجون ودس إليه من قتله عام ٧٧٦، وبذلك انتهت حياته هذه النهاية الدامية.

وقد كان لسان الدين أبرع كاتب أخرجته الأندلس في عصورها الأخيرة، حتى قيل: إنه كاتب الأرض إلى يوم العرض، وخصص له المقري مجلدين من نفح الطيب عرض فيهما عرضًا واسعًا لأساتذته، وحياته السياسية والأدبية.

وإذا كان السان الدين لم ينجح في حياته السياسية، فقد نحج نجاحًا عظيما في حياته الأدبية، وهي حياة كانت منوعة، إذ لم يقف كتابته عند الرسائل الديوانية أو الشخصية، بل كتب كتبًا كبيرة في التاريخ والتصوف، والموسيقى والفقه والطب، وقد نهج لسان الدين في هذه الكتب نهج السجع، وإن كان لا يلتزمه دائمًا على نحو ما نعرف في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة"، وهو مطبوع فإنه قلما يسجع فيه، ومن يرجع إلى رسائله يجدها تمتاز بالإطناب المسرف، وما يطوى في هذا الإطناب عادة من لف ودوران يجعلنا نذكر أصحاب التصنع في لمشرق، وإنه ليتسع بإطنابه حتى يفقد قارئه نشاطه؛ لأن منظر المعاني ينبسط أمام بصره انبساطًا يخرجها من حيز التنوع إلى حيز الاستمرار والإملال، وتنبه لذلك بعض السابقين فقال: "هو كاتب مترسل بليغ لولا ما في إنشائه من الإكثار، الذي لا يخلو من عثار، والإطناب، الذي يفضي إلى الاجتناب، والإسهاب، الذي يقد الإهاب"٣، وليست ظاهرة الإطناب هي كل ما اقترضه في سجعه برسائله من أصحاب التصنع من المشارقة، بل تقترن بها ظاهرة أخرى معروفة لديهم، وهي ظاهرة التصنع لمصطلحات العلوم


١ تاريخ ابن خلدون ٧/ ٣٣٥.
٢ أزهار الرياض "طبع لجنة التأليف" ١/ ١٩٣.
٣ نفح الطيب ٣/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>