وخاصة العلوم اللغوية، وحقًا إن ابن الخطيب لا يكثر منها، ولكنها موجودة -على كل حال- في نثره ورسائله، ونحن ننقل إلى القارئ صدر رسالة كتب بها عن سلطانه إلى خليفة الموحدين بالأندلس، وهي رسالة طويلة تقع في نحو عشرين صحيفة من القطع الكبير، وهو يستهلها على هذا النمط١:
"الخلافة التي ارتفع عن عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلت مباني فخرها الشائع، وعزها الذائع، على ما أسسه الأخلاف، ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم، الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسلاف، وثناؤنا على مجدها الكريم، وفضلها العميم، كما تأرجت الرياض الأفواف، لما زارها الغمام الوكاف، ودعاؤنا بطول بقائها، واتصال علائها، يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف، وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة، لا تحصره الحدود، ولا تدركه الأوصاف، وإن عذر في التقصير عن نيل ذلك المرام الكبير، الحق والإنصاف".
واستمر لسان الدين في هذه المقدمة طويلًا، ونحن نكتفي بهذه القطعة منها؛ لأننا نستطيع أن نتبين فيها الصفات لبعض مصطلحات العلوم، إذ تصنع لألفاظ القواعد، والمباني والجزم والحدود، وليس ذلك كل ما تميزه في هذه القطعة، فهناك جانب لعله أهم، وأدخل في باب التصنع، وذلك أنه بنى سجعاته في هذه القطعة كلها على الفاء، ولكن تأمل في القطعة، فإنك تراه استخرج من كل سجعة سجعتين داخليتين، وما من شك في أن هذا ضرب جديد من التصعيب، وصل إليه لسان الدين؛ لأنه يريد أن يثبت تفوقه في عصره، فإذا هو لا يسجع سجعًا بسيطًا على طريقة الكتاب الأندلسيين من قبله، وإنما يسجع هذا السجع المركب إن صح هذا التعبير، واستمر معه في الرسالة فستراه يصف حصار
١ انظر الرسالة بأكملها في صبح الأعشى ٦/ ٥٣٦، وما بعدها.