للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلطانه لقرطبة على هذا النحو:

"ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة، وخزائن المزاين الوافرة، وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة، قرطبة، وما أدراك ما هيه، ذات الأرجاء الحلية الكاسية، والأطواد الراسخة، والمباني المباهية، والزهراء الزاهية، والمحاسن غير المتناهية، حيث هالة بدر السماء، قد استدارت من السور المشيد البناء ونهر المجرة، من نهرها الفياض، المسلول حسامه من غمود الغياض، قد لصق بها جارًا، وذلك الدولاب، المعتدل الانقلاب، قد استقام مدارًا، ورجع الحنين اشتياقًا إلى الحبيب الأول وادكارًا، حيث الطود كالتاج، يزدان بلجين العذب المجاج، فيزرى بتاج كسرى ودارا، حيث قسي الجسور المديرة، كأنها عوج المطي الغريرة، تعبر النهر قطارًا، حيث آثار العامري المجاهد، تعبق بين تلك المعاهد شذى معطارًا، حيث كرائم السحائب، تزور عرائس الرياض الحبائب، فتحمل لها من الدر نثار، حيث شمول الشمال تدار على الأدواح، بالغدو والرواح، فترى الغصون سكارى، وما هي بسكارى، حيث أيدي الافتتاح، تفتض من شقائق البطاح، أبكارًا، حيث ثغور الأقاح الباسم، تقبلها بالسحر زوار النواسم، فتخفق قلوب النجوم الغيارى، حيث المصلى العتيق قد رحب مجالًا وطال منارًا، وأزرى ببلاط الوليد احتقارًا، حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارى، والطبون كأنها -لتدميث الغمائم- بطون العذارى".

وأنت ترى لسان الدين في هذه القطعة، يلتزم لازمة السجع المركب التي لاحظناها في القطعة السابقة، وقد ظهرت هنا عليه آثار التكلف بأوسع مما ظهرت في القطعة السالفة؛ لأنه كان هناك بادئًا للرسالة، أما هنا فقد طال به النفس، فظهرت علامات التعب عليه، وكلمة التعب لا تكفي، فإن ما أداه في هذه القطعة لا تنهض به هذه الكلمة، وإنما تنهض به كلمة أخرى كالتصعيب أو التعقيد، والحق أن لسان الدين كان يسعى حثيثًا في أعماله إلى التمسك بأهداب مذهب التصنع، الذي شاعر في المشرق، وقد ذهب يقترح على الكتاب هذا

<<  <   >  >>