للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كانت هذه الثقافةى فعلًا مؤثرة آثارًا عميقة في عقيدتهم الشيعية.

وقد سارعت مصر بعد إسلامها إلى العناية بالدراسات الدينية، من تفسير وحديث، وفقه وقراءات، كما سارعت إلى العناية بالعلوم اللغوية من نحو وعروض ولغة وأدب، فكان منها اللغويون والنحويون، كما كان منها الفقهاء والمحدثون والقراء، وأيضًا كان منها المؤرخون، الذين أرخوا لفتوحها، وكان جامع عمرو بن العاص هو الجامعة الكبرى، التي تدرس فيها العلوم الإسلامية، وهي دراسة كانت تنساق نحو تقليد بغداد في علمها، وما وصلت إليه في الدراسات المختلفة، ومصر من هذه الوجهة تشبه الأندلس تمام الشبه، فكما أن الأندلس قلدت المشرق في علومه الدينية واللغوية، أو قل بعبارة أدق أنها نقلت هذه العلوم منه، كذلك مصر فإنها اعتمدت على النقل أكثر مما اعتمدت على الابتكار، ولم يكن هذا شأنها فقط في العلوم الدينية واللغوية، بل كان شأنها أيضًا في حركتها الأدبية، فإنها كانت تصوغ نماذجها على مثال النماذج البغدادية، إذ كان الأدباء يعجبون في مختلف الأقاليم العربية بهذه النماذج، وهو إعجاب طبع أدبهم من شعر، ونثر بطابع أصيل من التقليد، وسنرى هذا الطابع يستمر في جميع ما أنتجت مصر، من نثر في أثناء عصورها الوسيطة، ومن ثم لم تستطع أن ترفد مجرى النثر العربي العام بجدول جديد تتميز مياهه من مياه المجرى العام، فليس هناك مذهب جديد، وإنما الذي هناك دائًما هو التقليد، والمحاكاة على نحو ما رأينا في الأندلس، وكان ذلك سمة الأقاليم جميعًا، فهي تقرأ نماذج المشرق التي صنعت داخل مذاهب الصنعة، والتصنيع والتصنع، ثم تحاول أن تصوغ نماذج مشابهة لتلك التي تقرؤها، ذاهبة أحيانًا مذهب أهل الصنعة، وأحيانًا أخرى مذهب أهل التصنيع، أو التصنع في غير نسق ولا نظام مطرد، وإن الإنسان ليعجب إذ يرى هذه المذاهب، التي صنعها المشرق تكتسح أمامها جميع الحدود القومية في الأقاليم العريبة، دون أن يعترضها حاجز، أو يقف أمامها عائق، ومن العبث حقًا أن نبحث عن مذهب جديد يحدثه أي إقليم، وكأنما ضاقت أبواب التجديد أمام الأدباء، فهم يولون وجوههم دائمًا شطر بغداد يتعبدون أمثلتها، ويحتذون على ما أخرجته من نماذج في الشعر والنثر.

<<  <   >  >>