للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها بعض كتابات تاريخية١. على أنه ينبغي أن نعرف أن جامعة الإسكندرية اليونانية، هجرها أساتذتها إلى مدرسة أنطاكية في عهد عمر بن عبد العزيز، ولذلك لا نسمع بعد عصره عن خليفة، أو أمير يطلب علماء الإسكندرية، على نحو ما طلب خالد بن يزيد بن معاوية جماعة منهم، لترجمة ما عندهم من كتب في الكيمياء٢، ومع ذلك فإغلاق هذه الجامعة إنما اقتصر تأثيره على الجانب الإغريقي، أما الجانب السرياني، وما يتصل به من الطب، فقد استمر في مصر، إذ كان العلماء السريان منبثين في الأديرة، فكان يقصد الطلاب إليهم، وكان الطب يتوارث فيهم، ولذلك ظلت مصر تشتهر بأطبائها، حتى عصر متأخر، وممن اشتهروا فيه سعيد بن توفيل النصراني، طبيب ابن طولوا٣، وسعيد بن البطريق: "وكان طبيبًا نصرانيًا من أطباء فسطاط مصر، وقد عين بطريركًا على الإسكندرية سنة ٣٢٨هـ، وله كتب في الطب والجدل"٤.

ومهما يكن فقد استمرت بمصر بقايا من التراث اليوناني، حتى بعد إغلاق جامعة الإسكندرية، إذ ظلت بها رواسب من علم إقليدس في الفلك، ومن علم الكيمياء، ومن الأفلاطونية الحديثة، وما يتصل بها من غنوسطية، ودراسات لاهوتية، وما من ريب في أن الحركة الصوفية، التي ظهرت بمصر في القرن الثالث، وعلى رأسها ذو النون المصري الإخميمي، كانت تتأثر تأثرًا مباشرًا بما بقى من هذه الجامعة، وخاصة إذا عرفنا أن أول انبعاث لهذه الحركة، كان في الإسكندرية عام ٢٠٠هـ٥، وأيضًا فهم يقولون: إن ذا النون المصري، كان عالمًا في الكيمياء، وقد ردوا كثيرًا من آرائه إلى مذهب الأفلاطونية الحديثة، وكما تأثر التصوف بالأفلاطونية، والغنوسطية الإسكندرية تأثر كذلك التشيع بهما في العصر الفاطمي، ولعله من أجل ذلك، كان الفاطميون يدعون إلى التثقف بالثقافة الفلسفية،


١ فتح العرب لمصر ص٨٥.
٢ الفهرست لابن النديم "طبع مصر" ص ٣٣٧، ٥٠٧.
٣ النجوم الزاهرة طبع دار الكتب ٣/ ١٧.
٤ طبقات الأطباء ٢/ ٨٦.
٥ الولاة والقضاة للكندي ص١٦٠ وانظر أيضًا ص٤٤٠.

<<  <   >  >>