للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبدك، ولا التذكير يقيم أودك، لم تكن لهذه النسبة أهلًا، ولا لإضافتك إلينا موضعًا ومحلًا.. واعلم أن البلاء -بإذن الله- قد أظلك، والمكروه -إن شاء الله - قد أحاط بك، والعساكر -بحمد الله- قد أتتك كالسيل في الليل، تؤذنك بحرب وويل، فإنا نقسم، ونرجو أن لا نجور ونظلم، أن لا نثني عنك عنانًا، ولا نؤثر على شأنك شأنًا، فلا تتوقل ذروة جبل، ولا تلج بطن واد إلا تبعناك بحول الله وقوته فيهما، وطلبناك حيث أممت منهما، منفقين فيك كل ما خطير، ومستصغرين بسببك كل خطب جليل، حتى تستمر من طعم العيش ما استحليت، وتستدفع من البلايا ما استدعيت، حين لا دافع بحول الله عنك، ولا مزحزح لنا عن ساحتك، وتعرف من قدر الرخاء ما جهلت، وتود أنك هبلت، ولم تكن بالمعصية عجلت، ولا رأي من أضلك من غواتك قبلت، فحينئذ يتفرى لك الليل عن صبحه، ويسفر لك الحق عن محضه، فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما، وتسمع بأذنين لا وقر فيهما، وتعلم أنك كنت متمسكًا بحبائل غرور، متماديًا في مقابح أمور، من عقوق لا ينام طالبه، وبغي لا ينجو هاربه، وغدر لا ينتعش صريعه، وكفران لا يودى قتيله، وتقف على سوء رويتك، وعظم جريرتك، في تركك قبول الأمان إذ هو لك مبذول، وأنت عليه محمول، وإن السيف عنك مغمود، وباب التوبة إليك مفتوح، وتتلهف والتلهف غير نافعك، إلا أن تكون أجبت إليه مسرعًا، وانقدت إليه منتصحًا".

وأنت ترى ابن عبد كان في هذه القطعة، يعني بموازنة عباراته موازنة تخرج به إلى السجع، فإن تركه فإلى الازدواج، وهذا يدل على أنه كانت تتأصل عنده رغبة في إحكام عباراته، وتنسيقها تنسيقًا بديعًا، وهو تنسيق كان يعتمد دائمًا على الملاءمات الصوتية، وكأنما كان أساس الكابة الفنية في رأي ابن عبد كان، هو الموسيقي وإحسانها، وقد طبعت هذه الموسيقى أسلوبه بطابع خاص من الترادف، حتى يلاحم بين أصواته من جهة، وحتى يحدث ما يريد من سجع وازدواج من جهة أخرى، وليس ذلك كل ما يميز صناعة ابن عبد كان، فهناك

<<  <   >  >>