أمر ركب فيه متن التدبير، وجرت بمثله المقادير، واتبع فيه قوله تعالى:{فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} ، في حين خدعته المطامع المردية، إلى الأعمال القاهرة، مؤملا انفصام عروة الله المتينة، وأفول ما توقد من شجرة مباركة زيتونة ... والله المحمود على منح من هذه النعمة، والمسئول أن يشد ببقاء الحضرة العلية قواعد الإسلام، ويسم بمحامدها أغفال الأيام، ويستخدم لها السيوف والأقلام، حتى لا يبقى على وجه الأرض مفحص قطاة، إلا وقد دوخها سنابك خيولها، ولا مسقط نواة إلا وقد ركزت فيه صدور رماحها ونصولها، فقد دفعت ... خطبًا جسيمًا، واستحلقت من السياسة أمرًا عقيمًا، وأعادت شمل الأمة ملمومًا نظيمًا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وكان فضل الله عظيمًا".
وأنت ترى من هذه القطعة أن ابن الشخباء، يعنى بالتشخيص، والتصوير كما يعنى بالاقتباس من القرآن الكريم، وهذان عنصران أساسيان في فن القاضي الفاضل، وهو كما يعنى بذلك يعنى أيضًا بأن يضم كل لفظة إلى أختها، وكل صورة إلى شاكلتها، فإذا ذكر مفحص القطاة مثلًا ذكر السنابك والخيول، وإذا ذكر مسقط النواة ركز فيه الرماح والنصول، وسنرى القاضي الفاضل يبالغ في استخدام هذا العنصر من مراعاة النظير، وليس ذلك كل ما نجده عند ابن الشخباء من عنصر استمد منها القاضي الفاضل، فهناك عناصر أخرى، منها تصنعه لمصطلحات العلم، كقوله في مطلع رسالة لبعض الوزراء، وقد بلغه أن شخصًا هجاه عنده: "لو لم تقض الشريعة -أطال الله بقاء سيدنا- برفض المقالة، عارية من البرهان والدلالة، لكان ذلك في الغريزة راتًبا، وفي حكم العقول واجبًا"١، فقد تصنع هنا لذكر المقالة والبرهان، والواجب وحكم العقول والدلالة، وكل ذلك يسوقه في خفة تجعلنا لا نلحظه، ومن أمثلة ذلك أيضًا، أنه استهل رسالة للأفضل بن بدر الجمالي، بقوله: "خلد الله أيام الحضرة الأفضلية ما فضلت الأسماء حروفًا، وتقدمت واو العطف معطوفًا، ولزمت