للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأفعال اشتقاقًا وتصريفًا"١، وكما كان ابن الشخباء يتصنع لمصطلحات العلم، كذلك كان يتصع للإتيان بجناس متكلف، شبيه بجناسات أصحاب التصنع، كقوله من رسالة إلى من يسمى صارم الدولة بن معروف٢:

"جاءته مناقب الحضرة العلية فتم بها مناقب تميم، وحكم لآل القعقاع أمر حكيم، ونصر لواء بني نصر، وأبدرت أهلة بني بدر، ونبه منبه هوازن، وظهرت مزينة ومازن، وضحك لعبس عابس الدهر، وراحت الكملة كاملة الفخر، وزادت مغايظ الأزد، وقشرت قشير عن بلوغ المجد، وأغمدت سيوف بني غامد، وصارت همدان كالجمر الهامد، ومذحج كالعنس مذللة، وحمير بالراية الحمراء متظللة، وطوت طيئ عملها استخذاء وغضت جفنة جفونها استيحاء، فحرس الله محاسن الحضرة السامية، التي جباه الأنام بها موسومة، وتمم نعمها التي هي بينها، وبين الناس مقسومة".

أرأيت إلى هذه المبالغة في استخدام الجناس، والاحتيال عليه بذكر هذه القبائل الكثيرة؟ وأكبر الظن أن القارئ، قد أحس هنا روح أصحاب التصنع، ولكن لا تظن أن ابن الشخباء، كان يعمم لك في رسائله، بل هو يظهر فيه من حين إلى حين، وهذه سنة الكتاب في الأقاليم المختلفة، فهم لا يستمرون عند مذهب معين من مذاهب المشرق، بل هم دائمًا يتقلبون بين المذاهب، والأذواق المختلفة، فبينما ترى الكاتب يكتب رسالة من ذوق أصحاب التصنع، إذا هو يكتب أخرى من ذوق أصحاب التصنيع، أو من ذوق أصحاب الصنعة، وهذا هو معنى ما نذهب إليه من أن الأقاليم العربية، لم تستحدث مذهبًا جديدًا في تاريخ الأدب العربي لا نثره ولا شعره، فقد وقفت عند صورة المذاهب الثلاثة من الصنعة، والتصنيع والتصنع، وكل ما أضافته إلى هذه المذاهب هو التنقل بينتها في غير نظام، وهذه الظاهرة كما تتصل بابن الشخباء، تتصل بجميع كتاب العصر الفاطمي المتأخر، فليس بينهم من استطاع أن يبتكر مذهبًا جديدًا أو طريقة جديدة إنما، دائمًا الجمود عند المذاهب المسبوقة، والطرق الموروثة.


١ الذخيرة ورقة ١٨٩.
٢ معجم الأدباء ٩/ ١٧٥.

<<  <   >  >>