فيبين أن دماء المسلمين حرام كأموالهم، فلا قتل ولا نهب ولا سلب، فقد انتهى قتل النفس المحرمة، وانتهى قطع الطرق، وانتهت الخيانات بجميع ضروبها، فمن كانت عنده أمانة لا يخنها، بل فليؤدها مستوفاة إلى صاحبها، إنه مجتمع ديني جديد، تتوثق فيه الروابط، فلا ربا ولا أخذ بثأر، وقد تداعت مآثر الجاهلية سوى سدانة الكعبة وسقاية الحجيج، فهما مأثرتان ضروريتان للجماعة، وهما لذلك باقيتان، أما شريعة الأخذ بالثأر التي كانت قوام حياتهم في الجاهلية، فقد قضى عليها الإسلام، إذ جعل حق الدم للدولة، فالقاتل المتعمد تقتله الدولة بصاحبه، أما من قتل خطأ فديته مائة ناقة لا تزيد. ويخوفهم الرسول من الشيطان، وما يدعو إليه من الشرور فقد انتهت عبادته، ولكن لم تنته أطماعه في تضليل الناس عن الجادة. وأيضا فإنه انتهى عهد التلاعب في الدين، وفي الأشهر الحرم.
ولا ينظم الرسول العلاقات بين الفرد، وجماعته الكبرى من الأمة فحسب، بل ينظمها أيضا بينه وبين جماعته الصغرى من الأسرة، فيدعو إلى رعاية حقوق المرأة، وأن يعاملها الرجل برفق ورحمة، وقد رفع الإسلام من شأنها، ووضعها في المكان اللائق بها، فكفل لها حرية التصرف في مالها كما كفل لها حق اختيار زوجها.
ويدعو الرسول إلى دعم الروابط بين أفراد الأمة، فالمسلمون جميعا إخوة متساوون في الحقوق والواجبات، لا غني ولا فقير ولا أسود ولا أبيض، ولا عربي ولا عجمي، فالجميع سواء، ولا فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح. ويشير إلى ما شرعه القرآن من نظام التوريث الجديد، ويقرر أن المورث لا يحق له أن يحرم ورثته من ماله، ويعطيه شيئا من الحرية، فيجعل له الحق أن يوصي لورثته ببعض ماله، ولكن على أن لا يزيد عن ثلثه، ويعرض لمشكلة كبرى من مشاكلهم، هي الأبناء غير الشرعيين الذين ولدوا في الجاهلية، فينسبهم إلى أصحاب الفراش، وكان من عادتهم أن ينسبوا إلى غير آبائهم، فقضى على تلك العادة السيئة حفظا للأنساب.