الأمر لمعاوية وخلفائه من بني أمية، فظل هؤلاء الخوارج ينازلونهم، ويعدون دار المسلمين دار حرب، فيجب أن يجاهدوهم، إذ جعلوا الخلافة في قريش، وهي ليست حقا من حقوقها وإنما هي حق لله، وينبغي أن يليها من يستحقها بمشورة المسلمين، وأن يكون خيرهم تقوى وزهدا وورعًا، ولو لم يكن قريشا، بل لو كان عبدا حبشيا. وقد تعددت فرقهم، وأهمها الأزارقة في فارس، والنجدات في اليمامة وحضرموت والبحرين، والصفرية في الموصل وشمالي العراق، والإباضية في اليمن وحضرموت.
ولا نتقدم إلى عصر يزيد بن معاوية حتى يرسل شيعة علي إلى ابنه الحسين أن يفد عليهم في الكوفة لمبايعة، وإعلان الثورة على بني أمية وصاحبهم يزيد، وما يكاد يلم بالعراق حتى يقعدوا عن نصرته، فيسفك دمه، ويندمون على ما كان من تضييعه، ويتجهون إلى الدعوة السرية لأبناء علي، ومن حين إلى حين تنشب ثوراتهم، ولعل أهمها ثورة المختار الثقفي لعهد مصعب بن الزبير، ثم ثورة زيد بن علي بن الحسين لعهد هشام بن عبد الملك، وقضى الأمويون على الثورة الأخيرة بينما قضى مصعب على ثورة المختار، وكان هذا الحزب الشيعي يؤمن بأن الخلافة من حق أبناء علي فهم ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم لذلك ورثتها الشرعيون، وقد ذهبوا إلى أن إمامة علي نص عليها الرسول، ومن هنا تأتي عقيدة الوصية التي يدين بها الشيعة جميعا، كما يدينون يعقيدة المهدي، وهو الإمام المنتظر الذي يخلص العالم مما فيه من شرور، وأسباب مختلفة جعلت الفرس يدخلون في هذه العقيدة، إذ كانوا قبل الإسلام يؤمنون بتوارث الملك في أسرة بعينها، على هذا القياس يصبح أحق الأسر القرشية بالملك العربي بني هاشم، وأبناء علي خاصة، فهم أقرب الناس إلى الرسول، وأيضا فإن عليا كان يسوي بينهم، وبين العرب في الحقوق بينما كان يضطهدهم الأمويون وولاتهم، ولعل شيئا من تشيعهم يرجع إلى كرههم لمن غلبوهم على بلادهم، وكأنما رأوا فيه ضربا من المقاومة لهؤلاء الغالبين.
وبجانب الحزبين السابقين، حزبي الشيعة والخوارج، توالت الثورات على