بني أمية، فثار عبد الله بن الزبير في الحجاز أثناء خلافة يزيد، واستقل بها نحو عشر سنوات، وتبعته العراق ومصر، إلا أن عبد الملك بن مروان استطاع القضاء عليه، وثار في العراق وإيران عبد الرحمن بن الأشعث، ودوخ الحجاج طويلًا قبل أن يقضي على ثورته. وفي أوائل القرن الثاني للهجرة ثار بالعراق أيضًا يزيد بن المهلب، وكان مصيره ابن الأشعث، ولا نصل إلى أواخر هذا العصر حتى يجمع أمرهم في خراسان، ويؤلفوا جيشا يقضون به على الدولة الأموية قضاءً مبرمًا.
وهذه الأحزاب والثورات لم تكن تستعين في انتقاضها على الأمويين بالسيوف فحسب، بل كانت تستعين بالخطب والخطباء يدعون لها، ويحمسون الناس على الانفضاض عن بني أمية، ومن المهم أن نعرف أن السياسة على ألسنة هؤلاء الخطباء كانت تقترن بالدين لسبب بسيط، وهو أن الخليفة عند المسلمين يعد إمامهم الذي تنتظم به مصالحهم، وقواعد ملتهم على مقتضى الشريعة الإسلامية.
وبجانب هذا السبب السياسي الذي دلع الخطابة، وسعر بها الفتن والثورات على الأمويين سبب ديني خالص، إذ أسست في كل بلد إسلامي مدرسة دينية تعلم الناس أصول دينهم وفروعه، وكان العلماء القائمون عليها كثيرًا ما يختلفون، فيتحاورون في وجهات نظرهم١. ولم تلبث أن انبثقت أبحاث كثيرة، ومناقشات طويلة في القدر، وإرادة الإنسان ومدى حريته، وفي الإيمان وهل من الضروري له أن يرافقه العمل، وفي صفات الله وهل هي عين الذات الإلهية، وسرعان ما ظهرت فرق الجبرية والقدرية والمرجئة، فكان ذلك باعثا على ظهور المناظرات، وهي فرع مهم من فروع الخطابة.
وليس هذا فحسب ما أنتجه الدين في خطابة القوم، فدق بقي ركنان مهمان هما القصص والوعظ، إذ كانت هناك طائفة تعرف بالقصاص، تفسر