للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن الكريم، وتمزج تفسيرها بقصص كثيرة تستمدها من موروثات أهل الكتب السماوية، وكانوا يستغلونه ميل الناس إلى الأخبار العجيبة، فيتزيدون في قصصهم، وكانت الأحزاب السياسية تتخذ نفرا منهم وسيلة للدعوة لها، ولتحميس جنودها حين تثور بالدولة١، وكان للأمويين في كل بلد قاص يقص على الناس في المسجد الجامع، ويدعو إلى طاعتهم٢. واتسعت بجانب ذلك موجة الزهد والعبادة والنسك، وتبعها ظهور وعاظ كثيرين، تموج كتب الأدب بمواعظهم، وما كانوا يدعون إليه من الزهد في حطام الدنيا، ومجاهدة النفس حتى ترفض عرض الحياة، ومتعها الزائلة، وتطلب ما عند الله من ثواب الآخرة.

ورافق هذا السبب الديني في ازدهار الخطابة سبب عقلي مرده إلى عناصر الثقافات الأجنبية التي أخذ يدعم بها العقل العربي منذ هذا العصر الأموي، مما فتق فيه قوة الجدل والحجاج. ومعروف أن الثقافة لهذا العصر لم يكن يضطلع بها العرب وحدهم، بل كان يشركهم فيها الموالي الذين اتخذوا العربية لسانهم، وقد أخذوا يزودونها بمعارفهم وثقافاتهم القديمة، وقد تعود مؤرخو الأدب العربي أن يقفوا في هذا الجانب من التزاوج بين العرب، والموالي في الفكر والثقافة عند العصر العباسي، عصر الترجمة المنظمة لما كان عند اليونان والفرس والهند، وينبغي أن نلاحظ أن هذا العصر الذي نظمت فيه الترجمة سبقه عصر، هو العصر الأموي، لم تكنتعرب فيه الكتب إلا نادرا، كما هو معروف عن خالد بن يزيد بن معاوية، وطلبه لما عند الأجانب من معارف، ولكن كان يعرف فيه لسان حملة هذه الكتب، وكانوا سيولا من شعوب الشرق الأوسط وأممه، دخلوا في الإسلام، ودخلت معهم ثقافتهم، وقد أقلبوا على الدراسات الدينية، والعقلية يسهمون فيها بالحظ الأوفر، فإذا قلنا: إنهم ارتقوا بالعقل العربي


١ الطبري، القسم الثاني ص٩٥٠، وابن الأثير "طبعة ليدن" ٤/ ٣٤١.
٢ خطط المقريزي ٣/ ٢٥٣، والولاة والقضاة الكندي "طبعة جيست" ص٣١٤؛ وقارن بالهامش في ص٣٠٤.

<<  <   >  >>