للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الأحنف يفد على ابن الزبير كما كان يفد على معاوية، ويفد معه خطباء ومن قومه١، وكم من خطيب تخلص من عقاب الحجاج بحسن منطقه٢، ولما دخل أيوب بن القرية عليه قال له: "ما أعددت لهذا الموقف؟ قال: ثلاثة حروف، كأنهن ركب وقوف: دنيا وآخرة ومعروف"، وقال له في بعض القول: "أقلني عثرتي وأسغني ريقي، فإنه لا بد للجواد من كبوة، وللسيف من نبوة، وللحليم من هفوة"٣. وكان كثيرًا ما يستنطق الوافدين عليه٤. ولما ولي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على العراق، كان يحضر مجلسه الوعاظ، ويعظونه٥ كما كانوا يعظون أباه.

ومما يدخل في هذا الضرب من خطابة المحافل خطابة الإملاك والتزويج٦ وخطابة الصلح بين العشائر٧، وما كان من منازعات، ومفاخرات في مجالس الخلفاء٨، ويسوق الجاحظ في بيانه أخبارًا كثيرة عن هذه الصور من الخطابة وما كان يفترق به بعضها عن بعض٩.

الخطابة الدينية والوعظ والمناظرات:

تمت هذه الخطابة في عصر بني أمية نموا واسعا، فقد كانت فريضة مكتوبة على المسلمين في صلاة الجماعة والعيدين، وكان الخلفاء والولاة يؤمون الناس في تلك الصلاة، ولذلك نقرأ لكثير منهم خطابات زاهدة، يحضون الناس فيها على الانصراف عن الدنيا، والتعلق بالآخرة، ويحثونهم على الخير والفضيلة


١ البيان والتبيين ١/ ٣٠٠.
٢ نفس المصدر ١/ ٢٥٩-٢٦٠، والعقد الفريد ٢/ ٤٦٤.
٣ البيان والتبيين ١/ ٣٥٠، وزهر الآداب ٤/ ٤٩، وعيون الأخبار ١/ ١٠٢.
٤ البيان والتبيين ٢/ ١٦٤.
٥ البيان والتبيين ١/ ٢٤.
٦ انظر البيان والتبيين ١/ ٤٠٤، ٤/ ٧٣ العقد الفريد ٤/ ١٤٩، وعيون الأخبار ٤/ ٧٢.
٧ البيان والتبيين ٣/ ١٣٥، وانظر ١/ ١٠٥، ١/ ١٧٣.
٨ انظر البيان والتبيين ٢/ ٩٠-٩٢، وانظر العقد الفريد ٤/ ٤ وما بعدها والنزاع والتخاصم بين بني أمية، وبني هاشم للمقريزي.
٩ البيان والتبيين ١/ ١١٦، ٣/ ٦.

<<  <   >  >>