للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأعمال الصالحة، وأخطب الخلفاء في هذا الباب عمر بن عبد العزيز، وله خطب كثيرة، يدعو فيها الناس إلى طاعة الله والنفور من معصيته، وأن يفكروا في الموت وما بعده من البعث والحساب والجنة والنار، ولعل واليا لم يؤثر عنه من الخطب الدينية ما أثر عن الحجاج، وكان دائما يقول: "أيها الناس إن الكف عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله"١، وللولاة من قبله وبعده مواعظ ترويها كتب الأدب والتاريخ٢.

وإذا كان هذا اللون من الخطابة قد شاع على ألسنة الخلفاء الأمويين، وولاتهم فإن خصومهم من الخوارج والشيعة كانوا لا يقلون عنهم دعوة إلى التقوى والورع، بل لعلهم كانوا يتقدمونهم، إذ لم يكن بأيديهم شيء من الدنيا، وكانوا يمزجون خطابتهم السياسية بالدين، وقد يجعلونها دينية خالصة، على نحو ما صنع قطري بن الفجاءة في موعظته المشهورة٣، وشداد بن أوس أحد شيعة علي في موعظته بين يدي معاوية، وقد طلب إليه أن يتنقص عليا٤، وتدور في كتب الأدب كلمات كثيرة لزيد بن علي بن الحسين، هي من بقايا خطبه٥، وكان ينازعه جعفر بن حسن بن الحسن بن علي في الإمامة، فكان الناس يجتمعون ليسمعوا مجاوباتهما، ومجادلاتهما في أيهما الأحق بها٦.

غير أن هؤلاء جميعا لم يتخصصوا بالخاطبة الدينية، ولم يعيشوا لها، وإنما الذي عاش لها هم القصاص والوعاظ، وقد نشأ القصص منذ عصر عمر بن الخطاب، فكان هناك قصاص يقصون في المساجد٧، وآخرون يقصون في


١ البيان والتبيين ١/ ٣٨٧.
٢ نفس المصدر ١/ ٣٨٧ و٢/ ١٤٣، والعقد الفريد ٤/ ٣٤ وما بعدها وعيون الأخبار ٢/ ٢٤٦، ١/ ٢٥١.
٣ البيان والتبيين ٢/ ١٢٦، وعيون الأخبار ٢/ ٢٥٠.
٤ البيان والتبيين ٤/ ٦٩، وعيون الأخبار ١/ ٥٥.
٥ البيان والتبيين ١/ ٣٥٣، وزهر الآداب ١/ ٧٢.
٦ البيان والتبيين ١/ ٣٣٤، وانظر زهر الآداب ١/ ٧٣.
٧ طبقات ابن سعد ٥/ ٣٤١.

<<  <   >  >>