والتأريخ خدمة تذكر فتشكر على مرّ العصور وكرّ السنين.
وهناك عامل ديني مهم، عدا الدافع العلمي والمقصد التجاري، كان حافزا للمسلم على التجوال والترحال. تلك هي فريضة حج بيت الله الحرام الواجبة على كل من استطاع إليه سبيلا من المسلمين. فكان الخلفاء والسلاطين والأمراء يعنون العناية الفائقة بتنظيم طرق الحج وتعبيدها وتوفير آبارها وموارد مياهها وتوطيد الأمن في ربوعها وضمان راحة الحجيج وسلامتهم، بقدر ما تسمح به الظروف والأحوال، رعاية منهم لهذه الفريضة المقدسة. فكانت قوافل الحج تسلك في ذهابها وإيابها سبلا مطروقة ومسالك مألوفة؛ فيها كلّ التسهيلات التي كان من الميسور توفيرها في تلك العصور. وإننا لنرى عددا من الرحالين العرب والمسلمين في القرون الوسطى يرافقون هذه القوافل ويتبينون مسالكها ومفاوزها ويدوّنون ملاحظاتهم ومشاهداتهم ليستفيد منها الخلف.
ونحن إذ كنا بصدد عرض عام لا التفصيل والإسهاب؛ ومهمتنا تنحصر بالأوضاع التي كانت تسود مملكة الإسلام في القرن السادس للهجرة (الثاني عشر للميلاد) ؛ اكتفينا بذكر عدد من مشاهير جغرافيي المسلمين ورحاليهم في ذلك العصر وما إليه. فمنهم من الجغرافيين، ابن خرداذبه صاحب كتاب «المسالك والممالك»(٢٥٠ هـ- ٨٦٤ م) واليعقوبي الذي وضع جغرافيته في القرن الرابع للهجرة والعاشر للميلاد. وقدامة بن جعفر المتوفى سنة (٣١٠- ٩٢٢ م) والبلخي المتوفى سنة (٣٤٦ هـ- ٩٣٤ م) وابن حوقل المتوفى سنة