فيه فريضة الصلاة. والرباط الموقوف على إيوائه وإطعامه إذا جاع، والمدرسة التي يتلقى فيها علوم الدين والدنيا، والمارستان الذي يعالجه إذا ما ألم به مرض.
مثل هذه العناية التي كان المسلم يلقاها أو يتوقع أن يجدها في مختلف الأقطار الإسلامية، والرغبة الملحة التي كانت تحمل الكثير من المسلمين إلى الاطلاع على شؤون تلك الرقعة التي تربط ما بينها وشائج الدين والقربى ودرس أحوالها عن كثب، كانت الحافز المهم لشد الرحال للسفر والتجوال بين تلك البلدان المتباعدة شرقا وغربا. فمنهم من كان يرحل للعلم والوقوف على جغرافية الممالك الإسلامية والتعرف إلى أصول إدارتها ودرجة رفاهة أهليها وخيرات بلادهم وزروعهم وصناعتهم وتجارتهم؛ وبالإجمال درس أحوالهم العمومية من كافة الوجوه. ومنهم من كان يرحل للتجارة والبيع والشراء وتبادل السلع فدوّن عدد منهم وصف البلاد التي هبطوا إليها وقيّدوا مشاهداتهم في المدن التي زاروها والمسافات التي قطعوها والصعاب التي اجتازوها، ورسموا طبيعة تلك البلدان مع ذكر أنهارها وجبالها وحزونها ووهادها وطرق مواصلاتها وقناطرها وأوضاع أهليها، وما امتازوا به من أخلاق وعادات، فمدحوا ما يستحق المديح وعابوا ما يجدر به الذم والانتقاد، ومن ثم جاءتنا هذه المجموعة النفيسة من كتب الجغرافية والرحلات ومعاجم البلدان، وكلها من تدوين أولئك الفطاحل الذين تجشموا الصعاب وركبوا متون الأخطار فجابوا الأقطار المختلفة وشاهدوا وسجّلوا كل كبيرة وصغيرة وقيدوا كل شاردة وواردة؛ وبذلك أدّوا للجغرافية