غير محله بالنسبة للجماهير الغفيرة* من أبناء هذه الطائفة على شواطئ الرون والسين وضفاف الراين والموزيل. ولا بدع إذا رأينا الجماعات اليهودية، في أثناء فترات الهدوء التي كانت تطول أو تقصر بحسب الأهواء والظروف، تبعث بالوفود إلى مختلف الأقطار والبقاع القريبة أو البعيدة، تجوس خلالها وتدرس أحوالها، للعثور على المأوى الأمين، تلجأ إليه إذا ما حان اليوم العصيب ودقّت نواقيس الرحيل.
وأما العامل الثاني فكان دينيا. وهو تلك الرغبة الملحة التي كانت تدفع بأتقياء اليهود إلى ركوب الأهوال واقتحام المخاطر لحج بيت المقدس والتبرك بقبور الأنبياء ومقامات الصالحين. فحج بيت المقدس، وإن لم يعد فرضا دينيا على اليهودي منذ خراب هيكل القدس في القرن الأول للميلاد، فإن اليهودي التقي كان يشعر بلهفة متأججة إلى زيارة أماكن التوراة ومهبط الوحي ومثوى الأنبياء، غير عابيء بالحقيقة الواقعة، هي كونه لا يتمتع بحماية سلطان أو رعاية أمير، سيما أيام الحروب الصليبية. وكان أن دوّن عدد من هؤلاء الحجاج ما شاهدوه في البلاد المقدسة والأقطار المؤدية إليها، فخلّفوا للأجيال المتأخرة هذا التراث الممتع من كتب السياحة والأسفار.
وأما العامل الثالث فكان اقتصاديا. وذلك لأن القوانين والقيود التي كان تحرّم على اليهودي الأوروبي في القرون الوسطى امتلاك العقار والاشتغال بالزراعة، قد دفعته مرغما إلى أحضان التجارة والأمور المالية**