أوروبة الجنوبية مدنا عامرة باليهود، زاهرة بمعاهدهم العلمية ومؤسساتهم الثقافية في ذلك العصر، لكننا نراه يتخطاها بنظرة عابر سريعة باستثناء رومية والقسطنطينية؛ ولم يبدأ بالإسهاب والتفصيل إلا عند ما وطأت أقدامه أرض الشرق الإسلامي في بلاد الشام- وهو الهدف الرئيسي لرحلته*.
إن رأينا الذي فصلناه عن بنيامين يؤيده أسلوب الرحلة أيضا. فهو أسلوب تجاري ساذج. بعيد عن البلاغة الراقية التي امتاز بها كتاب اليهود ومفكروهم في القرن الثاني عشر- العصر الذهبي للآداب العبرية في أسبانية. فعبارته موجزة تتناول الموضوع مباشرة دون ما تزويق أو تنميق. وهذا ما يميز رحلة بنيامين عن غيرها من رحلات معاصريه، المسلمين منهم على الأخص، وأسلوبها الراقي المتين. على أن هذا الأسلوب الذي اختصت به رحلة بنيامين، على سذاجته، متأثر بأسلوب التوراة السلس. تكاد تلمس ذلك في كل صفحة من صفحاتها، الأمر الذي يدل على أن الرجل كان واسع الاطلاع في أسفار الكتاب المقدس والتلمود وغيرها من كتب اليهود، كما أننا نستشف من خلال أحاديثه عن الشرق الإسلامي أنه كان يجيد اللغة العربية. وأن أسماء البلدان والأعلام العربية لم تكن غريبة على سمعه بدلالة قلة تحريفه وتصحيفه لألفاظها شأن كل أوروبي زار الشرق قديما وحديثا. وغني عن البيان أنه كان يحسن الأسبانية أيضا.