قصورها وقلاعها وتجارتها الواسعة، وأتى على وصف ضاف لكنائسها، ووقف عند آيا صوفية يصور ما شاهده من آيات الفن العماري فيها بأسلوب تأخذ سذاجته بمجامع القلوب.
ومن ثم ركب البحر فجوّل بين أرخبيل بحر إيجة فزار رودس وقبرص، ومنها خرج إلى البر في قيليقية حيث أطل على الشرق الإسلامي- الهدف الرئيسي لرحلته- فراح يتنقل بين المدن العامرة والقرى الزاهرة في سورية ولبنان، ومنها حج بيت المقدس، وهو يومئذ في الاحتلال الصليبي. فصار يتنقل في نواحي فلسطين، ويدون ما زاره من قبور الأنبياء وأضرحة الأتقياء ومقامات الصلحاء، فراحت أسماء المواقع التي طالما قرأ عنها في التوراة والتلمود تتدفق على مخيلته. ثم مر بغور الأردن واتجه شمالا نحو بحيرة طبرية ومنها عرج نحو أعالي الفرات بطريق تدمر وبعلبك ودمشق، وأخذ يتنقل بين دجلة والفرات حتى بلغ الموصل. ثم ألقى عصا الترحال في بغداد، عاصمة الرشيد وحاضرة بني العباس يومذاك. فأعجب بما شاهده من عمرانها وأسهب في وصف قصور خلفائها ومعاهدها ومارستاناتها.
ولا غرو، فهو أول رحالة أوروبي من غير المسلمين، جاوز الفرات وبلغ بغداد وخلف عنها مثل هذا الوصف.
وقد أعجب بنيامين بصورة خاصة، بما شاهده في وادي الرافدين من جماعات يهودية كانت يومئذ تنعم بالطمأنينة والرفاهة في ظل الخلافة الإسلامية الوارف، وفي عصر لم يكن يهود أوروبة يعرفون سوى ضروب الإرهاق والاضطهاد الديني والاقتصادي. فراح لسانه يلهج