والفسطاط ويتحدث بأسلوب بديع عن نهر النيل وفيضه ووفائه وخيره العميم، حتى لتحسب وأنت تقرؤه، أنك تطالع ابن جبير أو ابن بطوطة، وكلاهما جاء من بعده. ومن ثم ينتقل إلى الإسكندرية بعد زيارة قصيرة لصحراء سيناء، فيتحدث بإسهاب عن ذلك الثغر التجاري العظيم الذي كانت تجتمع عنده ثروة الشرق وخيراته، فيأتي على ذكر المنار، ويسرد علينا بتفصيل لا يباريه به رحالة آخر، أسماء البلدان الأوروبية التي كانت تتجر مع الإسكندرية*. ومن ثم يركب البحر بطريق عودته إلى أسبانية فيمر بجزيرة صقلية ويتحدث عن آثار الحضارة الإسلامية التي شاهدها فيها، وكانت يومئذ في احتلال النور منديين، وهكذا يكون هذا الرحالة الفذ قد زار أغلب البلدان الشهيرة في القارات الثلاث.
والذي نلاحظه، ونحن نطالع صفحات هذه الرحلة، أن بنيامين يتحرى الصدق والأمانة في تدوين ما شاهده عيانا. أما إذا تعرض خلال رحلته لأمور يرويها عن مسموعاته، فيبدؤها بعبارة «ويقال» أو «وقد قيل لي» أو «هذا ما حدثني به فلان» . ويلاحظ كذلك، أن هذا الرحالة لم يكن يتبع في أسفاره اتجاها واحدا دائما. وقد تكون أسباب ذلك فقدان الأمن في بعض الطرق من جراء الحروب الصليبية، أو اضطراره للعودة إلى مدينة أو قرية ليتحقق من بعض الأخبار. ومما يلاحظ أيضا أنه وإن قبل بما قيل له عن عقائد بعض الأمم الشرقية على علاته، لا نكاد نقرأ له كلمة تخدش الأذهان عند تعرضه للأديان غير