وهناك مؤشر آخر يؤكد أنّ تركز اليهود في الدولة البيزنطيّة كان أكثر من تركّزهم في الإمبراطورية الرومانية المقدسة ومقر الباباويه، ذلك أنّ عدد اليهود في القسطنطينية (العاصمة) كما أورد بنيامين هو ١٥٠٠ بينما هو في روما ٢٠٠ فقط، وإذا أضفنا لهذا أن يهود روما كانوا في غالبهم في خدمة البلاط الباباوى اتضح لنا أنّ الوجود الحر- إن صحّ التعبير- في القسطنطينية كان أكثر بكثير، فيهود القسطنطينية يعيشون في جيتو، ويمتهنون مختلف المهن.
أما بالنسبة إلى حركة بنيامين في الدولة البيزنطية فيلاحظ أنه لم يتوغل في البر البيزنطي أو داخل البلاد وإنما كان دائما إما في الموانيء أو في جزر بحر إيجه وغيرها حتى وصل إلى القسطنطينية، ومنها عاد أيضا سالكا طريق بحر إيجة مارّا بجزره حتى قبرص ومنها عاد إلى طرسوس أو طرشيش (أو ترشيش) على شاطيء المتوسط ومنها اتجه إلى أنطاكيه على الشاطئ الغربي للمتوسط وبذلك يكون قد دخل في حدود دولة المسلمين- الدولة العباسية لكن المنطقة التي جابها كانت- للأسف- تحت حكم الاستعمار الأوربي الصليبي، ومنها انطلق إلى دمشق وغيرها من بلاد الشام التي كانت تحت حكم الأيوبيين ذوى الولاء الاسمي للدولة العباسيّة، وهو ما سنتناوله في الصفحات التالية.