أصحاب البدع الفكرية والمذهبية الجديدة، ويرى فيها مصدرا للفتن والقلاقل في مملكته الفتية. أما من ناحية اليهود، فقد تذكر الخليفة الشقاق الذي تركته بينهم فتنة أبي عيسى إسحاق بن يعقوب عبيد الله الأصبهاني «١» في أول حكمه. فوجد في دعوة عنان فاتحة شغب وشحناء في وقت كانت الدولة بحاجة إلى الاستقرار بين مختلف عناصرها، لذلك أمر بحبس عنان بن داود بتهمة ثورته على رأس الجالوت، صاحب السلطة الشرعية على أبناء ملته «٢» .
ويروي مؤرخو الفرقة العنانية أن زعيمهم داود في أثناء مكوثه في السجن، تلاقى مع الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وكان يومئذ سجينا مثله لأسباب لا محل لشرحها هنا «٣» فقصّ عليه عنان قصته، فأشار عليه الإمام بأن يدّعي أنه ليس ثائرا على رأس الجالوت، وأنه صاحب دين قائم بنفسه لا علاقة له بدين اليهود، لذلك فإن من حق جماعته أن تتمتع بحرية المعتقد شأن سائر أهل الذمة في المملكة الإسلامية. ويقال كذلك إن أصحاب عنان كانوا قد بذلوا من جانبهم المال الوفير لإنقاذ رئيسهم، فآل الأمر إلى إطلاق سراحه، لكن الخليفة اشترط عليه أن يبتعد وأتباعه عن مقر رأس الجالوت، وأن يجعل مقامه فلسطين «٤» .