وفي القدس شيد عنان لجماعته كنيسا ظل قائما حتى أيام الحروب الصليبية. ووضع كتابين ضمنهما أحكام طريقته، الأول يدعى «كتاب الفرائض» والثاني «كتاب الفذلكة» . وكان في جميع ما يكتبه ويقوله يتهجم على التلمود وتعاليم الرّابيّين، ويتهمهم بتزييف الشريعة الموسوية بتفسيرها على وجه يخالف ما جاء في نص التوراة.
فازدادت الشقة بعدا بين القرائين والرّابيّين. على أن هؤلاء المنشقين على التلمود لزعمهم أنه ثقيل القيود والأحكام، لم يلبثوا أن قيدوا أنفسهم بنواميس أشد صرامة وأثقل قيودا من بنود التلمود. لأن ابتعادهم عن الاجتهاد والسير بمقتضى تطور الأحوال والزمان جعلهم جامدين على القديم، متمسكين بأمور عفا عليها الدهر وأبطل مفعولها تقدم الأفكار وتطور الحياة الاجتماعية. لكنهم فعلوا ذلك مندفعين بنزوة التعصب الشديد ضد الرّابيّين وكراهيتهم لهم. ومن المأثور عن عنان قوله:«لو كنت أحمل أرباب التلمود في بطني، لقتلت نفسي وقتلتهم معي.»«١» .
وتولى زعامة القرائين بعد وفاة عنان، ولده شاؤل فحفيده يوشية.
لكن الفرقة لم تستطع أن تحتفظ بوحدتها، فانشقت على نفسها وتفرعت إلى شيع وجماعات عديدة. وكان الرّابيّون لا يتركون فرصة إلا استغلوها لمهاجمة بدعة القرائين. فاتهموهم بالكفر والزندقة والمروق عن الدين، وعدوهم غرباء عن اليهودية وحرموا الاتصال بهم والتزوّج من بناتهم. وقد اشتهر العالم الفيلسوف سعيد الفيومي الرّابي الشهير