والثاني: أنه لا معنى لزيادة في الشرع إلا تحريم ما تقدمت إباحته، أو إباحة ما تقدم تحريمه.
فإن قالوا: إن الحكيم لا يحظر، أي لا يحرم شيئا، ثم يبيحه، لأن ذلك إن جاز مثله كان كمن أمر بشيء وضده.
فالجواب: أن من أمر بشيء وضده في زمانين مختلفين غير متناقض في أوامره، وإنما يكون كذلك لو كان الأمران في وقت واحد.
فإن قالوا: إن التوراة حظرت أمورا كانت مباحة من قبل، ولم تأت بإباحة محظور، والنسخ المكروه هو إباحة المحظور. لأن من أبيح له شيء فامتنع عنه وحظره على نفسه فليس بمخالف. وإنما المخالف من منع من شيء فأتاه باستباحته المحظور.
فالجواب: أن من أحل ما حظره الشرع في طبقة المحرم لما أحله الشرع.
إذ كل منهما قد خالف المشروع. ولم يقرأ الكلمة على معاهدها. فإذا جاز أن يأتي شرع التوراة بتحريم ما كان إبراهيم عليه السلام ومن تقدمه عن استباحته، فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل ما كان في التوراة محظورا.
وأيضا: فلا تخلو المحظورات من أن يكون تحريمها مفترضا في كل الأزمنة، لأن الله سبحانه يكره ذلك المحظور لعينه. وإما أن لا يكرهه الله لعينه، بل نهى عنه في بعض الأزمنة. فإن كان الله نهى عن عمل الصناعات في يوم السبت لعين السبت، فينبغي أن يكون هذا التحريم على ابراهيم ونوح وآدم أيضا، لأن عين السبت كانت أيضا موجودة في