زمانهم وهى على التحريم. وإذا كان ذلك غير محرم على إبراهيم ومن تقدمه فليس النهى عنه لعينه، أعني في جميع أوقات وجود عينه، وإذا لزمكم أن تحريم الصناعة في يوم السبت ليس تحريما في جميع أوقات السبت، فليس يمتنع أن ينسخ هذا التحريم في زمن آخر وإذا ظهر قائم بمعجزات الرسالة وأعلام النبوة في زمن آخر بعد فترة طويلة فجائز أن يأتي بنسخ كثير من أحكام الشريعة، سواء حظر مباحاتها أو أباح محظوراتها. وكيف يجوز أن تحتاج بالبينة باعتراض فيما ورد به من أمر ونهي، سواء وافق العقول البشرية أو باينها، ولا سيما أن الخصوم قد طالما تعبدوا بفرائض مباينة للعقول، كطهارة أنجاسهم برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها قبيل أوان الحج، ونجاسة ظاهرهم بذلك الرماد بعينه. على أن الذي يروم تنزيله منزلة هذا أقرب كثيرا إلى العقل فإن الأفعال والأوامر الإلهية منزهة عن الوقوف عند مقتضى العقول البشرية.
وإذا كانت التعبدات الشرعية غير عائدة بنفع لله عز وجل، ولا دافعة عنه ضررا لتنزيهه سبحانه وتعالى عن الانتفاع والتأذي بشيء، فما الذي يحيل أو يمنع كونه تعالى يأمر أمة بشريعة، ثم ينهى أمة أخرى عنها، أو يحرم محظورا على قوم ويحله لأولادهم ثم يحظره ثانيا على من يجيء بعدهم؟ وكيف يجوز للمتعبد أن يعارض الرسول في تحليله ما كان حراما على قوم، ويستدل بذلك على كذبه بعد أن جاء بالبينة، وأوعب العقلاء تصديقه وتحكيمه، أليس هذا تحكما وضلالا، وعدولا عن الحق؟.