للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعراقيين والخراسانيين وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي، وهم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين الشامي والمصري أربعة أيام فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين وغيرهم ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلاً فمن لقوة في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضة والثياب وكذلك يعطون للمشاهدين للكعبة الشريفة وربما وجدوا إنسانا نائما فجعلوا في فيه الذهب والفضة حتى يفيق ولما قدمت معهم من العراق سنة ثمان وعشرين فعلوا من ذلك كثيرا وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم الذهب بمكة وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهما نقرة لكثرة ما تصدقوا به من الذهب وفي السنة هذه ذكروا اسم السلطان أبي السعيد ملك العراق على المنبر وقبة زمزم.

الخروج من مكة شرفها الله:

وفي العشرين من ذي الحجة خرجت من مكة صحبة أمير ركب العراق البهلوان محمد الحويح بحاءين مهملين، وهو من أهل الموصل، وكان يلي إمارة الحاج بعد موت الشيخ شهاب الدين قلندر وكان شهاب الدين شيخا فاضلا عظيم الحرمة عند سلطانه يحلق لحيته وحاجبيه على طريقة القلندرية ولما خرجت من مكة شرفها الله تعالى في صحبة الأمير البهلوان المذكور اكترى لي شقة محارة١ إلى بغداد ودفع إجارتها من ماله وأنزلني في جواره. وخرجنا بعد طواف الوداع إلى بطن مر٢ في جمع من العراقيين والخراسانيين والفارسيين والأعاجم لا يحصى عددهم تموج بهم الأرض موجا ويسيرون سير السحاب المتراكم فمن خرج عن الركب لحاجة ولم تكن له علامة يستدل بها على موضعه ضل عنه لكثرة الناس وفي هذا الركب نواضح كثيرة لأبناء السبيل يستقون منها الماء وجمال لرافع الماء للصدقة ورفع الأدوية والأشربة والسكر لمن يصيبه مرض وإذا نزل الركب طبخ الطعام في قدور نحاس عظيمة تسمى الدسوت وأطعم منها أبناء السبيل ومن لا زاد معه وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من لا قدرة له على المشي كل ذلك من صدقات


١ المحارة: شبه الهودج – القاموس المحيط.
٢ مر الظهران، وقد سبق ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>